ـ(90) ـ
الإمام أبو حنيفة كان غير راض عن خلافة أبي جعفر المنصور؛ لقسوته ولشدته مع العلويين، ومن يظهر التودد إليهم، وكان الإمام يحبهم ويؤيدهم، وبعد أن رد الإمام أبو حنيفة منصب تولية رئاسة القضاة فهم أبو جعفر المنصور بأن الإمام أبا حنيفة لا يعتقد بشرعية خلافته، فأمر بضرب الإمام وبسجنه ومنعه عن التدريس والإفتاء، ونقل في بعض الروايات التاريخية أنه استشهد مسموماً بعد إخراجه من السجن.
والإمام مالك أفتى يوماً أن لا اعتبار لطلاق المكره، فوجد المناؤون لحكم أبي جعفر المنصور من أنصار آل البيت في هذه الفتوى مستنداً قوياً للتملص من بيعة المنصور، لأنها كانت عن طريق الإكراه، ووجد ولاة أبي جعفر في نشر هذه الفتوى خطراً على كيانهم، وحاولوا أن يمنعوا الإمام عن التحدث بها، ولكنه لم يفعل، وهددوه فلم يسمع إلى أن أمر جعفر بن سليمان والى المدينة بضرب الإمام سبعين سوطاً.
والإمام محمد بن إدريس الشافعي اتهم بجريمة أنه تحرك ضد الرشيد مع تسعة من العلويين فأخذه والي اليمن وأرسله مع التسعة العلويين إلى الرشيد وهم مصفدون بالأغلال فقتل التسعة، والإمام الشافعي قد نجاه الله. وقد اتفقوا على أن سبب هذه المحنة كان ولاء الإمام الشافعي لسيدنا علي بن أبي طالب وأولاده، وعدم مسايرته مع الخلفاء العباسيين.
والإمام أحمد بن حنبل حمله والي بغداد إلى المأمون على الإبل مقيداً بالأغلال، وسجن ثمانية عشر شهراً، وجلد بأمر المعتصم، وبلغ عدد الجلادين الذين كانوا يتناوبون على ضربه بالسياط مائة وخمسين جلاداً، وجلس الإمام أحمد بن حنبل ـ بأمر الواثق ـ في داره لا يخرج إلى الصلاة، ولا يشهد جنازة، ولا يلقي درساً. تحمل الإمام كل ذلك ولكن لم يخضع لخلفاء بني العباس في أهوائهم وإن لم يكن سبب هذه المشاكل والمصائب حماية أهل البيت، ولكن على كل كان الإمام في جنب المعارضين للخلافة.
إن معارضة أئمة أهل السنة لخلفاء بني أمية وبني العباس على هذا المستوى تدل على أن علماء المسلمين في هذا المقطع من التاريخ كانوا متفقين في مسألة الخلافة