ـ(58)ـ
من جهة، وبين (المفاهيم الكلية) المنزلة وحيا في القرآن الكريم من جهة أخرى، دون بتر أو فصل للحكم الفرعي العملي عن (مفهومه الكلي) الذي يندرج تحته. وفي هذا ضبط لعملية الاجتهاد، وتضييق لهوة الخلاف بين المجتهدين في اجتهاداتهم الفردية الفرعية للمسائل العملية التي تطرأ.
وعلى هذا، ينبغي أن لا يكون ثمة انفصال بين (الجزئي والكلي) من المفاهيم القرآنية التي تؤلف في مجموعها بنيانا تشريعيا محكما جاء على وجه نشأت عنه المعجزة الإلهية الخالدة.
الاجتهاد التأصيلي والفروعي:
وأيضا، هذا (المنهج التشريعي) يقتضيه النظر الكلي العام للتشريع الإلهي على ما يقرره الإمام الشاطبي ـ ليجعل من الاجتهاد التشريعي من قبل المجتهدين في كل عصر تطبيقا أمينا (للكليات) من المفاهيم العامة المطلقة للقرآن العظيم، وفي هذا المعنى يقول الامام الشاطبي في بيانه الأصولي الدقيق ما نصه:
(إن الجزئيات لو لم تكن معتبرة ومقصودة في إقامة الكلي لم يصح الأمر بالكلي من أصله؛ لأن الكلي ـ من حيث هو كلي ـ لا يصح القصد في التكليف إليه؛ لأنه راجع لأمر (معقول) لا يحصل في الخارج إلاّ في ضمن الجزئيات، فتوجه القصد إليه من حيث التكليف به توجه إلى تكليف ما لا يطاق، وذلك ممنوع الوقوع...(فإذا كان لا يحصل الكلي إلاّ بحصول الجزئيات) فالقصد الشرعي متوجه إلى الجزئيات)(1).
ومعنى هذا بيّن نلخّصه فيما يلي:
إن (المفاهيم الكلية) في القرآن الكريم الذي جاء بها أسلوبا فذا معجزا في
____________________________
1 ـ الموافقات 2: 63.