ـ(184)ـ
أساسه ـ إذا أرجعناه إلى مراجعه الأولى ـ أن هؤلاء سنة وهؤلاء شيعة، أو أن هؤلاء حنفية، وهؤلاء شافعية أو مالكية... الخ، أو أن القائل بكذا أشعريّ والمخالف لـه معتزليّ إلى غير ذلك، ولكن أساسه هو: اختلاف النظر والتقدير وما ترجح عند كل فريقٍ، ثم جاء الأتباع فورثوا هذا عن المتبوعين وتعصبوا لـه، ووجد من متأخريهم من يصور المذهبية على أنها التزام لمذهبٍ معينٍ، فما دام الإنسان قد اختار أن يكون حنفياً ـ مثلاً ـ فليس لـه أن يعمل بمذهبٍ غير الحنفية، وإذا كان عالماً بالفقه كان عليه أن يدور في فلك الحنفية، فيخرج أقوالهم ويدافع عنها، ويجتهد في إبطال آراء الآخرين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
وتفرع على ذلك أنهم قرروا أن من قلد مذهباً ليس لـه أن ينتقل إلى غيره، وقد جاء في فرع باب التعزير من كتاب ( الدر المختار): ( من ارتحل إلى مذهب الشافعي يعزر) وقرروا أن ليس للإنسان إذا قلد مذهباً معيناً ـ ولابد لـه أن يقلد ـ أن يقلد غير هذا المذهب في بعض الوقائع إلاّ بشروط، وقرروا أن ليس للمتأخر أن يبحث أو يرجح فيما بحثه المتقدم أو رجحه...الخ ) (1)
وليس هذا صحيحاً، وإنما قاله بعض المتأخرين حينما تحكمت فيهم روح الخلاف، وملكتهم العصبية المذهبية، فراحوا يضعون من القوانين ما يمنع الناس من الخروج عن مذاهبهم، وانتقلت المذاهب بهذا الوضع عن أن تكون أفهاماً يصح أن تناقش فترد، أو تقبل إلى التزامات دينية لا يجوز لمن نشأ فيها أن يخالفها أو يعتنق غيرها.
وقد وصف الشيخ عز الدين بن عبد السلام موقف هؤلاء المتأخرين فقال: (ومن العجب العجاب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعاً، وهو مع ذلك يقلده، ويترك من شهد لـه الكتاب والسنة، ويتأولهما
_____________________________
1 ـ انظر مقارنة المذاهب لفضيلتي الأستاذين: الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد علي السايس ص 3 وما بعدها.