ـ(182)ـ
شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون إلاّ الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم] (1).
فالذين يعيدون الاستثناء إلى الجمل كلها يقولون: قد ذكرت عدة جمل قبل الاستثناء هي أحكام مترتبة على القذف: [فاجلدوهم ثمانين جلدة]. [ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً]. [وأولك هم الفاسقون] والاستثناء يعود إلى الكل، إلاّ أن الدليل دل على أن التوبة لا تسقط حقوق العباد، وبقي بعد ذلك الجملتان: الثانية والثالثة، فمن تاب وأصلح قبلت شهادته، ولم يعتبر فاسقاً.
والذين يعيدون الاستثناء إلى الأخيرة فقط يقولون: لا تقبل شهادة القاذف بالتوبة، ولكن لا يعد فاسقاً بعد توبته، ويؤيدون ذلك بمعنى عقلي هو: ان رد الشهادة من تمام الحد والعقوبة، فإن الله جعل على القاذف نوعين من العقوبة: عقوبة بدنية هي: الجلد، وعقوبة أدبية هي: الحرمان من مركز الشهادة، فكما أن التوبة لا ترفع الجلد لأنه حق من حقوق العباد كذلك لا ترفع العقوبة الأدبية التي هي رد الشهادة لهذه العلة نفسها.
فالمبدأ في هذا الخلاف يرجع إلى القاعدة التي ارتضاها كل من الفريقين، ولك منهما دليله على ما ارتضى في علم أصول الفقه، ثم آزر الحنفية ما رأوا بالمعنى الذي ذكرناه، كما آزر الفريق الآخر رأيهم بأن رفع الفسق بالتوبة يناسبه قبول الشهادة، وليس مما يتناسب أن يرفع الفسق ويبقى رد الشهادة.
2 ـ ومن ذلك أيضاً: اختلافهم في مسألة الزيادة على النص هل تعد نسخاً أو لا ؟ وستأتي أمثلة لذلك تغنينا عن التمثيل.
_____________________
1 ـ النور : 4 ـ 5.