ـ(176)ـ
ويتلخص هذا في أن الله تعالى علم كل ما هو كائن قبل أن يكون، ثم خلق الإنسان فجعل لـه عقلاً يرشده واستطاعة يصح بها تكليفه، ثم طوى علمه السابق عن خلقه، وأمرهم ونهاهم، وأوجب عليهم الحجة من جهة أمرهم ونهيهم، لا من جهة علمه السابق فيهم، فهم يتصرفون بين مطيع وعاص، وكلهم لا يعدو علم الله السابق فيه، وإلا انقلب العلم جهلاً، تعالى الله عن ذلك، ولكن ليس في أن يعلم الله الأمور قبل وقوعها إجبار ؛ لأن العلم ليس من صفات التأثير، فمن فعل شيئاً فقد فعله باستطاعة منه في ظل المشيئة الإلهية، ولم تجر المشيئة الإلهية بأن تجبر أحداً على طاعة أو معصية، ولكن تيسر وتمد: [فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى] (1)[والذين اهتدوا زادهم هدى](2) [قل من كان في الضلالة فليمدد لـه الرحمن مداً] (3)[ولو شاء الله لجمعهم على الهدى](4)[وما تشاؤون إلاّ أن يشاء الله رب العالمين](5).
هذه مقالات الطوائف الثلاث في (القضاء والقدر)، وذلك سر اختلافهم في هذه المسألة، والخير كل الخير في الوقف وعدم الخوض في ذلك وأمثاله، لقول صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا ذكر القضاء فأمسكوا) ونعم ذلك مذهبا لمن آثر الخلاص والسلامة، وشغل نفسه بالعمل النافع، متوفراً عليه، مستريحاً من السير في طريق طالما زلت فيه الأقدام، وتحيرت الأفهام.
2 ـ ومن الأمثلة في هذا المقام أيضاً: اختلاف الأشاعرة مع المعتزلة والإمامية في مسألة الحسن والقبح العقليين، فالأشاعرة يقولون: لا حسن إلاّ ما حسنه الشرع،
_____________________
1 ـ الليل: 5 ـ 10.
2 ـ محمد: 17.
3 ـ مريم: 75..
4 ـ الأنعام: 35.
5 ـ التكوير: 29