ـ(174)ـ
ولكن يوجد كثيراً من يبالغ في مسألة من المسائل الخلافية الكلامية أو الفقهية فيلحقها ـ اشتباها أو تعصباً ـ بالمسائل القطعية التي لا يجوز الخروج عنها، ويترتب على ذلك أن يرمي مخالفيه عنها بأنهم أهل بدعة أو ضلال أو هوى، أو غير ذلك من الأوصاف التي تسوق إليها الحماسة والعاطفة المذهبية.
ومن أمثلة هذا:
أ ـ في جانب المعارف الكلامية:
1 ـ اختلاف النظر في شأن (القضاء والقدر) (1): فمن الناس من تأملوا في القرآن والأحاديث فوجدوا فيها أشياء ظاهرها الإجبار والإكراه كقوله تعالى [ولو شاء الله لجمعهم على الهدى] (2).
[ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة] (3) وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (السعيد من سعد في بطن أمه، والشقي من شقي في بطن أمه) فبنوا من هذا النوع: أن العبد مجبر ليس لـه شيء من الاستطاعة.
ومن الناس من نظروا إلى آيات أخر، وأحاديث أخر تدل على أن العبد مستطيع مفوض أمره إليه يفعل ما يشاء، كقوله تعالى: [ولا يرضى لعباده الكفر] (4) [وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى] (5) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كل مولود يولد على القطرة حتى يكون أبواه هما اللذان
_____________________________________________
1 ـ راجع كتاب (الإنصاف) للبطليوسي ص 83 وما بعدها.
2 ـ الأنعام: 35.
3 ـ البقرة: 7.
4 ـ الزمر: 7.
5 ـ فصلت: 17.