ـ(118)ـ
كانت كراهية الإنجليز سمة من السمات الجوهرية في شخصيته؛ ذلك أنه أيقن منذ عهدٍ مبكرٍ وعن تجربةٍٍ أن هؤلاء القوم يكنون للمسلمين عداء شديداً... كان لهذه الدولة الماكرة لذة من النكاية بأهل الدين... وكمال بهجتها أن تراهم أذلاء، لا يملكون من أمرهم شيئاً) (1).
ومن أهم ما يميز الاستعمار البريطاني بصورة خاصة والاستعمار الأوربي بصورة عامة هي سياسة (فرق تسد) وهي سياسة خبيثة نجحت فيها نوعاً ما حينما فرقت المسلمين بعد سلبها لأراضيهم وخيراتهم، صنعت منهم دويلاتٍ صغيرةً لا تقوى على شيءٍ وأثارت بينهم غبار الفتنة، وجعلت من نفسها مرجعاً لهم في حل مشاكلهم وقضاياهم.
ولنرى كيف كان السيد جمال الدين يتحدث مع (بريطانيا العظمى) عندما كان في الهند حيث التقى به مندوب الاستعمار:
(إنني ما أتيت لأضعف حكومة بريطانيا العظمى، ولا أنا على استعداد للشغب، ولكن تخوفها من زائر أعزل مثلي، وتفريقها المتظاهرين من زواري ـ وهم أضعف مني ـ إنما يسجل على حكومة بريطانيا وهن عزيمتها، وضعف شوكتها، وضيق صدرها، وعدم أمنها من حكمها وأنها ـ بريطانيا ـ في حقيقة حكمها لهذه الأقطار الشاسعة أضعف بكثير من شعوبها)(2).
على هذا كان الاستعمار في عهده ناهباً لكثيرٍ من أراضي المسلمين ولكثير من خيراتها، إضافة إلى مسخه للعقول الإسلاميّة وممارسته لسياسة التفريق على المستوى الفكري وعلى مستوى تقسيم الدول، مما جعل المهمة شاقةً على المصلحين في جمع
___________________________
1 ـ العروة الوثقى: 27.
2 ـ العروة الوثقى: (د).