ـ(116)ـ
أن ينتقم منه شيوخ الأزهر، حيث أعطوه الشهادة من الدرجة الثانية. وتعرض للعزل وتحديد الإقامة، كل ذلك بسبب ما يحمل من هم ـ على غرار أستاذه ـ وحدوي ونظرةٍ للإصلاح.
فلنرى كيف يتحدث السيد جمال الدين عن الوحدة:
(أمران خطيران تحمل عليهما الضرورة تارة ويهدي إليهما الدين تارة أخرى، وقد تفيدهما التربية وممارسة الآداب.. وبهما نمو الأمم وعظمتها ورفعتها واعتلاؤها،وهما الميل إلى وحدة تجتمع، والكلف بسيادة لا توضع) (1).
نعم، هكذا كانت الوحدة في فكره ضرورةً ملحة يهدي إليها الدين وتفيدها التربية والسنن، وأنها سبب لرقي المجتمعات ورفعتها، وهذا ما لحظناه في الصدر الأول من رفعة مجد المسلمين.
وهكذا تمثل الوحدة هما للسيد جمال الدين يحمله على كتفه متنقلاً به بين البلدان، ويستدعيه الأمر أن يوجه خطاباتٍ صريحة للأمة الإسلاميّة تنبئ عن حرقته على المسلمين لما هم فيه، يقول السيد جمال الدين:
(... هل يسوغ لنا أن نرى أعلامنا منكسة، وأملاكنا ممزقة، والقرعة تضرب بين الغرباء على ما بقي في أيدينا ثم لا نبدي حركة، ولا نجتمع على كلمة، ندعي مع هذا أننا مؤمنون بالله وبما جاء به محمد. واخجلتاه لو خطر هذا ببالنا، ولا أظنه يخطر ببال مسلم يجري على لسانه شاهد الإسلام.
إن الميل للوحدة والتطلع للسيادة وصدق الرغبة في حفظ حوزة الإسلام كل هذه صفات كامنة في نفوس المسلمين قاطبة....).
نعم، هكذا كان يحترق ألماً لما عليه المسلمون من تمزق وتفرق، وهكذا كان يتحرك نحو الوحدة في البحث عن طرق تجميع المسلمين من خلال تذكيرهم بمجدهم، واستنهاضهم مما هم فيه، مما جعل الاستعمار يفكر في السيد جمال الدين كمحور لوحدة المسلمين التي تخيفهم وتعصف بهم.
________________________________
1 ـ العروة الوثقى: 74.