ـ(108) ـ
وقد اختلفت عبائر العلماء في إمكانه وعدم إمكانه، وفي صحة ترتيب الأثر عليه وعدمها، وقد ذهب الأغلب إلى الإمكان.
ومنهم الغزالي، فقد قال بعد أن استعرض العلوم التي يراها ضرورية للمجتهد المطلق: (...وليس الاجتهاد عندي منصباً لا يتجزأ، بل يجوز أن يقال للعالم بمنصب الاجتهاد في بعض الأحكام دون بعض، فمن عرف طريق النظر القياسي فله أن يفتي في مسألة قياسية وإن لم يكن ماهراً في علم الحديث... وليس من شروط المفتي أن يجيب عن كل مسألة)(1).
وقد علق بعضهم على ذلك قائلا: (وهذا الكلام غير واضح المضمون، إذ العالم الذي يعرف القياس وليست لـه الخبرة في علم الحديث كيف يسيغ لنفسه أن يستنبط حكماً واحداً من قياسه وينسبه إلى الشارع المقدس؟!)(2).
وقال ابن القيم الجوزية الحنبلي: (الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام، فيكون الرجل مجتهداً في نوع من العلم مقلداً في غيره، كمن استفرغ وسعه في نوع العلم بالفرائض) (3).
ويمكن التعليق عليه بأنه ما دامت بعض مقدماته التي اعتمدها في مقام الاستنباط مأخوذة عن تقليد فالنتيجة لا تخرجه عن كونه مقلداً، والعلم في دفع تأثير بقية الأدلة ـ الذي يكون منشؤه غير الاجتهاد ـ لا يجعل صاحبه مجتهداً بداهة) (4).
وقال الآمدي من الشافعية أيضاً: (وأما الاجتهاد في حكم بعض المسائل: فيكفي فيه أن يكون عارفاً بما تعلق بتلك المسألة وما لابد منه فيها، ولا يضره في ذلك جهله بما لا تعلق لـه بها مما يتعلق بباقي المسائل الفقهية، كما أن المجتهد المطلق قد
_______________________________________
1 ـ المستصفى للغزالي 2: 103، الأحكام للآمدي 3: 14، ارشاد الفحول للشوكاني: 224.
2 ـ الأصول العامة للفقه المقارن للسيد الحكيم: 581.
3 ـ أعلام الموقعين لابن القيم 4: 216.
4 ـ الأصول العامة للفقه المقارن للسيد الحكيم: 581.
5 ـ الأصول العامة للفقه المقارن للسيد الحكيم : 581.