@ 399 @ ( ( كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به ) ) ومثله عن وكيع بن الجراح ، وعن ابن مسعود ( ( ليس العلم عن كثرة الحديث ، إنما العلم خشية الله ) ) والآثار في هذا النحو كثيرة . وبما ذكر يتبين الجواب عن الإشكال الثاني ، فإن علماء السوء هم الذين لا يعملون بما يعلمون ، وإذا لم يكونوا كذلك ، فليسوا في الحقيقة من الراسخين في العلم ، وإنما هم رواة ، والفقه فيما رووا أمر آخر . أو ممن غلب عليهم هوي غطى على القلوب والعياذ بالله على أن المثابرة على طلب والتفقه فيه ، وعدم اجتزاء باليسير منه ، يجر إلى العمل به ويلجئ إليه ، كما تقدم بيانه ، هو معنى قول الحسن : ( ( كنا نطلب العلم للدنيا ، فجرنا إلى الآخره . ) ) وعن معمر أنه قال : ( ( كان يقال : من طلب العلم لغير الله ، يأبي عليه العلم حتى يصيره إلى الله . ) ) وعن حبيب بن أبي ثابت : ( ( طلبنا هذا الأمر ، وليس لنا فيه نية ، ثم جاءت النية بعد . ) ) وعن الثوري قال : ( ( كنا نطلب العلم للدنيا فجرنا إلى إلى الآخره . ) ) وهو معنى قوله في كلام آخر : ( ( كنت أغبط الرجل يجتمع حوله ؛ ويكتب عنه ، فلما ابتليت به ، وددت أني نجوت منه كفافا لا على ولا لي ) ) وعن أبي الوليد الطيالسي قال : ( ( سمعت ابن عيننة منذ أكثر من ستين سنة يقول : طلبنا هذا الحديث لغير الله ، فأعقبنا الله ما ترون ) ) وقال الحسن : ( ( لقد طلب أقوام العلم ، ما أرادوا به الله ، وما عنده . فما زال بهم حتى أرادوا به الله وما عنده ) ) . فهذا أيضاً مما يدل على صحة ما تقدم ) ) . .
ثم قال الشاطبي بعد ذلك : ( ( ويتصدى النظر هنا في تحقيق هذه المرتبة وما هي ، والقول في ذلك على الاختصار أنها أمر باطن ، وهو الذي عبر عنه بالخشية في حديث ابن مسعود ، وهو راجع إلى معنى الآية . وعنه عبر في الحديث ، في أول ما يرفع من العلم الخشوع وقال مالك : ( ( ليس العلم بكثرة الرواية ، ولكنه نور يجعله الله في القلوب ) ) . وقال أيضاً : ( ( الحكمة والعلم نور يهدي به الله من يشاء ، وليس بكثرة المسائل ، ولكن عليه علامة ظاهرة ، وهو التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود . وذلك عبارة عن العمل بالعلم من غير مخالفة وبالله التوفيق ) ) . انتهى .