@ 368 @ ويكثر من ذاك ، ومنهم من يكثر من ذا ، ويقل من ذاك ، فلا ينبغي أن يهمل أمر واحد منهما بالمرة ، كما يفعله عامة الفريقين ، وإنما الحق : البحث أن يطابق أحدهما بالآخر ، وأن يجبر خلل كل بالآخر ، وذلك قول الحسن البصري : ( ( سنتكم والله الذي لا إله هو بينهما ) ) بين الغالي والجافي ، فمن كان من أهل الحديث ينبغي أن يعرض ما اختاره وذهب إليه على رأي المجتهدين من التابعين ، ومن كان من أهل التخريج له أن يجعل من السنن ما يحترز به من مخالفة الصريح الصحيح ، ومن القول برأيه فيما فيه حديث أو يقدر الطاقة ، ولا ينبغي لمحدث أن يتعمق بالقواعد التي أحكمها أصحابه ، وليست منا نص عليه الشارع ، فيرد به حديثاً أو قياساً صحيحاً كرد ما فيه أدنى شائبة الإرسال والانقطاع كما فعله ابن حزم : رد حديث تحريم المعازف لشائبة الانقطاع في رواية البخاري ، على أنه في نفسه متصل صحيح ، فإن مثله إنما يصار إليه عند التعارض . وكقولهم : فلان أحفظ لحديث فلان من غيره ، فيرجحون حديثه على حديث غيره لذلك ، وإن كان في الآخر ألف رجه من الرجحان ؛ وكان اهتمام جمهور الرواة عند الرواية بالمعنى برؤوس المعاني دون الاعتبارات التي يعرفها المتعمقون من أهل العربية ، فاستدلالهم بنحو الفاء والواو ، وتقديم كلمة وتأخيرها ونحو ذلك من التعمق . وكثيراً ما يعبر الراوي الآخر عن تلك القصة فيأتي مكان ذلك الحرف بحرف آخر . والحق أن كل ما يأتي به الراوي فظاهره أنه كلام النبي ، فإن ظهر حديث آخر ، أو دليل آخر ، وجب المصير إليه . ولا ينبغي لمخرج أن يخرج قولاً لا يفيده نفس كلام أصحابه ، ولا يفهمه منه أهل العرف والعلماء باللغة ، ويكون بناء على تخريج مناط ، أو حمل نظير المسألة عليها ، مما يختلف فيه أهل الوجوه ، وتتعارض فيه الآراء . ولو أن أصحابه مثلوا عن تلك المسألة ربما يحملون النظير على النظير لمانع . وربما ذكروا علة غير ما خرجه هو . وإنما جاز التخريج لأنه في الحقيقة من تقليد المجتهد ، ولا يتم إلا فيما يفهم من كلامه ، ولا ينبغي أن يرد حديثاً أو أثر تطابق عليه القوم لقاعدة استخرجها هو أو أصحابه كرد حديث المصراة . وكإسقاط سنهم ذوي القربى . فإن رعاية الحديث أوجب من رعاية تلك