@ 333 @ من علام المدينة ) ) على ما قاله ابن عيينة وعبد الرزاق وناهيك بهما ، فجمع أصحابه ، رواياته ، ومختاراته ، ولخصوها ، وحرروها وشرحوها وخرجوا عليها ، وتكلموا في أصولها ودلائها ، وتفرقوا إلى المغرب ونواحي الأرض ، فنفع الله بهم كثيراً منن خلقه . وإن شئت أن تعرف حقيقة ما قلناه من أصل مذهبه فانظر في كتاب الموطأ ، تجده كما ذكرنا . وكان أبو حنيفة رضي الله عنه ألزمها بمذهب إبراهيم وأقرانه ، لا يجاوزه إلا ما شاء الله ، وكان عظيم الشأن في التخريج على مذهبه ، دقيق النظر في وجوه التخريجات ، مقبلاً على الفروع أتم إقبال ، وإن شئت أن تعلم حقيقة ما قلنا ، فلخص أقوال إبراهيم وأقرانه من كتاب الآثار لمحمد رحمه الله ، وجامع عبد الرزاق ، ومصنف أب بكر بن أبي شيبة ، ثم قايسه بمذهبه تجده لا يفارق تلك المحجة إلا في مواضع يسيرة ، وهو في تلك اليسيرة أيضاً لا يخرج عما ذهب إليه فقهاء الكوفة ، وكان أشهر أصحابه ذكراً أبو يوسف رحمه الله فولى قضاء القضاة أيام هرون الرشيد ، فكان سبباً لظهور مذهبخ ، والقضاء به في أقطار العراق وخراسان ، وما وراء النهر . وكان أحسنهم تصنيفاً وألرزمهم درساً محمد بن الحسن ، وكان من خبره أنه نفقه على أبي حنيفة وأبي يوسف ، ثم خرج إلى المدينة فقرأ الموطأ على مالك ، ثم رجع إلى نفسه فطبق مذهب أصحابه على الموطأ مسألة مسألة ، فإن وافق فيها ، وإلا فإن رأى طائفة من الصحابة والتابعين ذاهبين إلى مذهب أصحابه فكذلك ، وإن وجد قياساً ضعيفاً أو تحزيجاً ليناً يخالفه حديث صحيح فيما عمل به الفقهاء أو يخالفه عمل أكثر العلماء ، تركه إلى مذهب من مذاهب السلف ، ما يراه أرجح ما هناك . وهذان لا يزالان على محجة إبراهيم وأقرانه ما أمكن لهما . كما كان أبو حنيفة رضي الله عنه يفعل ذلك وإنما كان اختلافهم في أحد شيئين : إما أن يكون لشيخهما تخريج على مذهب إبراهيم يزاحمانه فيه ، أو يكون هناك لإبراهيم ونظرائه أقوال مختلفة يخالفان شيخهما في ترجيح بعضها على بعض ، فصنف محمد رحمه الله وجمع رأى هؤلاء الثلاثة ، وتقريباً أو شرحاً أو تخريجاً أو تأسيساً أو استدلالاً ، ثم تفرقوا إلى خراسان وما وراء النهر ، فيسمى ذلك مذهب أبي حنيفة .