@ 318 @ وجعله محبوباً للرب تعالى بعد أن كان مسخوطا له ؟ وإن كان الاحتيال يبلغ هذا المبلغ ، فإنه عند الله عز وجل ورسوله بمكان ومنزلة عظيمة ، وإنه من أقوى دعائم الدين ، وأوثق عراه وأجل أصوله . ويالله العجب كيف تزول مفسدة التحليل التي أشار رسول الله بلغن فاعله مرة بعد أخرى ، بتسليف شرطه وتقديمه على صلب العقد وإخلاء صلب العقد من لفظه ، وقد وقع التواطؤ والتوافق عليه ، وأي غرض للشارع وأي حكمة في تقديم الشرط وتسليفه حتى تزول به اللعنة ، وتنقلب به خمرة هذا العقد خلاً ؟ وهل كان عقد التحليل مسخوطاً لله ورسوله بحقيقته ومعناه ، أم لعدم حقيقة مقارنة الشرط له ، وحصول نكاح الرغبة مع القطع بانتفاء حقيقته وحصول نكاح التحليل ؛ وهكذا الحيل الربوبة ، فإن الربا لم يكن حراماً لصورته ولفظه ، وإنما كان حراماً لحقيقته التي امتاز بها عن حقيقة البيع فتلك الحقيقة ، حيث وجدت وجد التحريم ، في أي صورة ركبت ، وبأي لفظ عبر عنها ؟ فليس الشأن في الأسماء وصور العقود ، وإنما الشأن في حقائقها ومقاصدها وما عقدت له . .
الوجه الثاني : أن اليهود لم ينتفعوا بعين الشحم ، وإنما انتفعوا بثمنه . ويلزم من راعي الصور والظواهر والألفاظ ، دون الحقائق والمقاصد أن لا يحرم ذلك ؛ فلما لعنوا على استحلال الثمن ، وإن لم ينص على تحريمه ، علم أن الواجب النظر إلى الحقيقة والمقصود ، لا إلى مجرد الصورة . ونظير هذا أن يقال لرجل : لا تقرب مال اليتيم ، فيبيعه ويأخذ ثمنه ، ويقول : لم أقرب ماله ! وكمن يقول لرجل : لا تشرب من هذا النهر ، فيأخذ بيديه ويشرب من كفيه ويقول : لم أشرب منه ، وبمنزلة من يقول : لا تضرب زيداً فيضربه فوق ثيابه ، ويقول : إنما ضربت ثيابه . وأمثال هذه الأمور التي لو استعملها الطبيب في معالجة المرضي لزاد مرضهم ولو استعملها المريض لكان مرتكباًَ لنفس ما نهاه عنه الطبيب ، كمن يقول له الطبيب : لا تأكل اللحم فإنه يزيد في مواد المرض ، فيدقه ويعمل منه هريسة ويقول : لم آكل اللحم وهذا المثال مطابق العامة الحيل الباطلة في الدين . ويالله العجب ! أي فرق بين بيع مئة بمئة وعشرين صريحاً ، وبين إدخال سلعة لم تقصد أصلاً ، بل دخولها كخروجها ؟ ولهذا