@ 317 @ حرم الله عليهم الشحوم ، أرادوا الاحتيال على الانتفاع بها ، على وجه لا يقال في الظاهر إنهم انتفعوا بالشحم ، فجملوه ، وقصدوا بذلك أن يزول عنه اسم الشحم ، ثم انقفعوا بثمنه بعد ذلك ، لئلا يكون الانتفاع في الظاهر بعين المحرم . ثم مع كونهم احتالوا بحيلة خرجوا بها في زعمهم من ظاهر التحريم من هذين الوجهين ، لعنهم الله تعالى على لسان رسوله على هذا الاستحلال نظراً إلى المقصود ، وأن حكمه التحريم لا تختلف ، سواء كان جامداً أو مائعاً . وبدل الشيء يقوم مقامه ويسد مسده ؛ فإذا حرم الله الانتفاع بشيء ، حرم الاعتياض عن تلك المنفعة . فعلم أنه لو كان التحريم معلقاً بمجرد اللفظ ، وبظاهر من القول ، دون مراعاة المقصود إلى الشيء المحرم ، وحقيقته ، لم يستحقوا اللعنة لوجهين : .
أحدهما : أن الشحم خرج بجمله عن أن يكون شحماً ، وصار ودكاً ، كما يخرج الربا بالاحتيال فيه عن لفظ الربا ، إلى أن يصير بيعاً عند من يستحل ذلك ، فإن من أراد أن يبيع مئة بمئة وعشرين إلى أجل ، فأعطى سلعة بالثمن المؤجل ، ثم اشتراها بالثمن الحال ولا غرض لواحد منهما في السلعة بوجه ما ، وإنما هي كما قال فقيه الأمة : ( ( دراهم بدراهم دخلت بينها حريرة ) ) فلا فرق بين ذلك وبين مئة بمئة وعشرين ، بلا حيلة البتة ، لا في شرع ولا عقل ولا عرف ، بل المفسدة ، ويلعن فاعله ويؤذنه بحرب منه ومن رسوله ، ويتوعده أشد توعد ، ثم يبيح التحيل على حصول ذلك بعينه مع قيام تلك المفسدة وزيادتها تبعث الاحتيال في مقته ومخادعة الله ورسوله ، هذا لا يأتي به شرع ، فإن الربا على الأرض أسهل وأقل مفسدة من الربا بسلم طويل ، صعب المراقي ، يترابي المترابيان على رأسه فيالله العجب ! - أي مفسدة من مفاسد الربا زالت بهذا الاحتياط والخداع ؟ فهل صار هذا الذئب العظيم - الذي هو من أكبر الكبائر عند الله - حسنة وطاعة بالخداع والاحتيال ؟ تالله كيف قلب الخداع والاحتيال حقيقته من الخبث إلى الطيب ، ومن المفسدة إلى المصلحة