@ 113 @ وبعث الجيوش إليهم لتجتمع كلمة المسلمين وتتحد الرعية ولأن بلاد السودان وافرة الخراج كثيرة المال يتقوى بها جيش الإسلام ويشتد ساعد كتيبته مع أن صاحب أمرهم والمتولي لسلطنتهم اليوم معزول عن الإمارة شرعا إذ ليس بقرشي ولا اجتمعت شروط السلطنة فيه العظمى فلم نثل المنصور ما في كنانته وأبدى ما في خبيئته وعرض ما في عيبته سكت الحاضرون ولم يراجعوا بشيء فقال لهم أسكتم استصوابا لرأيي أو ظهر لكم خلاف ما ظهر لي فأجاب كلهم بلسان واحد ورأي متفق إن ذلك رأي عن الصواب منحرف وأنه بمهامه عن الآراء السديدة ولا يخطر ببال السوقة فكيف بالملوك وذلك لأن بيننا وبين السودان مهامه فيحا تقصر فيها الخطا وتحار فيها لقطا وليس فيها ماء ولا كلأ فلا يتأتى السفر فيها ولا اعتساف شيء من طريقها مع كونها مخوفة مملوءة الجوانب ذعرا وأيضا فإن دولة المرابطين على ضخامتها ودولة الموحدين على عظمها ودولة المرينيين على قوتها لم تطمح همة واحد منهم لشيء من ذلك ولا تعرضوا لما هنالك وما ذاك إلا لما رأوا من صعوبة مسالكها وتعذر مداركها وحسبنا أن نقتفي أثر تلك الدول فإن المتأخر لا يكون أعقل من الأول فلما قضى أولئك الأقوام كلامهم وأبدوا له رأيهم وملامهم قال لهم المنصور إن كان هذا غاية ما استضعفتم به أمري وفيلتم به رأيي فليس فيه حجة ولا ما يخدش فيما عندي أما قولكم بيننا وبينها صحار مخوفة ومفاوز مهلكة لجدوبتها وعطشها فنحن نرى التجار على ضعفهم وقلة استعدادهم يشقون تلك الطرق في كل وقت ويخوضون في أحشائها مشاة وركبانا وجماعة ووحدانا ولم تنقطع قط ركاب التجار عنها وأنا أقوى أهبة منهم وللجيش همة ليست للقوافل وأما قولكم إن من كان قبلنا من الدول الطنانة لم تطمح أبصارهم لذلك فاعلموا أن المرابطين صرفوا عنايتهم لغزو الأندلس ومقابلة الإفرنج ومن بذلك الساحل من الأروام والموحدون اقتفوا سبيلهم في ذلك وزادوا بحرب ابن غانية والمرينيون كانت غالب وقائعهم مع بني عبد الواد بتلمسان ونحن اليوم قد انسد عنا باب الأندلس باستيلاء العدو الكافر عليها