@ 62 @ باحتلال الزقاق والاعتراض دون الفراض فأوعز السلطان إلى جميع سواحله من سبتة وطنجة وبلاد الريف ورباط الفتح والمنكب والجزيرة وطريف بتوجيه أساطيلهم فتوافت منها ستة وثلاثون أسطولا متكاملة في عدتها فأحجمت اساطيل العدو عنها وارتدت على أعقابها واحتل السلطان يعقوب بالجزيرة الخضراء وهي المسماة اليوم بخوزيرت غرة رمضان من سنة أربع وثمانين وستمائة ونزل بقصره من المدينة الجديدة التي بناها بإزائها فبرزت أساطيل المسلمين أمامه بالمرسى وهو جالس بمشور قصره فلعبوا بمرأى منه في البحر وتجاولوا وتناطحوا وتطاردوا كفعلهم ساعة الحرب فسر بذلك وأحسن إليهم وصرفهم إلى حال سبيلهم $ وفادة الطاغية على السلطان يعقوب بأحواز الجزيرة الخضراء وعقد الصلح بينهما والسبب في ذلك $ .
قال ابن خلدون رحمه الله لما نزل ببلاد النصرانية من السلطان يعقوب ما نزل من تدمير قراهم واكتساح أموالهم وسبي نسائهم وإبادة مفاتلتهم وتخريب معاقلهم وانتساف عمرانهم زاغت منهم الأبصار وبلغت القلوب الحناجر واستيقنوا أن لا عاصم لهم من أمير المسلمين فاجتمعوا إلى طاغيتهم سانجة خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة متوجعين مما أذاقهم جنود الله من سوء العذاب وأليم النكال وحملوه على الضراعة لأمير المسلمين في السلم وإيفاد الملأ من كبار النصرانية عليه في ذلك وإلا فلا تزال تصيبهم منه قارعة أو تحل قريبا من دارهم فأجاب إلى ما دعوه إليه من الخسف والهضيمة لدينه وأوفد على أمير المسلمين وهو بالجزيرة الخضراء وفدا من بطارقتهم وشمامستهم يخطبون السلم ويضرعون في المهادنة والإبقاء ووضع أوزار الحرب فردهم أمير المسلمين اعتزازا عليهم ثم أعادهم الطاغية بترديد الرغبة على أن يشترط ما شاء من عز دينه وقومه فأسعفهم أمير المسلمين وجنح إلى السلم لما تيقن من صاغيتهم إليه وذلهم لعز الإسلام وأجابهم إلى ما سألوه