@ 49 @ وحكي أن موضع المعترك كان على اتساعه ما فيه موضع قدم إلا على ميت أو دم وأقامت العساكر بالموضع أربعة أيام حتى جمعت الغنائم واستؤذن في ذلك السلطان يوسف فعف عنها وآثر بها ملوك الأندلس وعرفهم أن مقصوده الجهاد والأجر العظيم وما عند الله في ذلك من الثواب المقيم فلما رأت ملوك الأندلس إيثار يوسف لهم بالغنائم استكرموه وأحبوه وشكروا له صنعه وأمر أمير المسلمين بقطع رؤوس القتلى وجمعها فقطعت وجمع بين يديه منها أمثال الجبال فبعث منها إلى إشبيلية عشرة آلاف رأس وإلى قرطبة مثل ذلك وإلى بلنسية مثلها وإلى سرقسطة ومرسية مثلها وبعث إلى بلاد العدوة أربعين ألف رأس فقسمت على مدن العدوة ليراها الناس فيشكروا الله على ما منحهم من النصر والظفر العظيم .
قال ابن أبي زرع وفي هذا اليوم تسمى يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين ولم يكن يدعى به قبل ذلك وأظهر الله تعالى الإسلام وأعز أهله وكتب أمير المسلمين بالفتح إلى بلاد العدوة وإلى تميم بن المعز الصنهاجي صاحب إفريقية فعمت المفرحات في جميع بلاد إفريقية والمغرب والأندلس واجتمعت كلمة الإسلام وأخرج الناس الصدقات وأعتقوا الرقاب شكرا لله تعالى .
ولما بلغ الأذفونش إلى بلاده وسأل عن أصحابه وأبطاله ففقدهم ولم يسمع إلا نواح الثكالى عليهم اغتم ولم يأكل ولم يشرب حتى هلك أسفا وغما وراح إلى أمه الهاوية ولم يخلف إلا بنتا واحدة جعل الأمر إليها فتحصنت بطليطلة .
ورحل المعتمد إلى إشبيلية ومعه السلطان يوسف بن تاشفين فأقام يوسف بظاهر إشبيلية ثلاثة أيام وورد عليه الخبر بوفاة ولده ابي بكر بن يوسف وكان قد تركه مريضا بسبتة فاغتم لذلك وانصرف راجعا إلى العدوة وذهب معه ابن عباد يوما وليلة فعزم عليه يوسف في الرجوع إلى منزله وكانت جراحاته قد تورمت عليه فسير معه ولده عبد الله إلى أن وصل البحر وعبر إلى المغرب