@ 190 @ باب التخالف فافهم بل لو فرضنا أن أهل المغرب اليوم مماثلون للعدو في القوة والاستعداد لما كان ينبغي لهم ذلك لأنه ليست العدة وحدها كافية في الحرب ولا كثرة الرجال والمقاتلة وحدها بالذي يغني فيها شيئا بل لا بد مع ذلك من اجتماع الكلمة وكون الناس فيها على قلب رجل واحد ولا بد مع ذلك من ضابط بجمعهم وقانون يسوسهم حتى تكون الجماعة كالبدن الواحد يقوم جميعا ويقعد جميعا وهذا معنى ما صح في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا فإن لم يكن ضابط وقانون فلا بد من نفاذ البصيرة في الدين وقوة اليقين والألفة فيما بين المسلمين والغيرة على الوطن والحريم وجودة الرأي والتمرس بالحروب ومكايد المشركين وأهل المغرب اليوم إلا القليل منسلخون من هذا كله أو جله فقد توالت عليهم الأجيال في السلم والهدنة وبعد عهد أسلافهم فضلا عنهم بالحرب وشدائدها ومعاناة الأعداء ومكايدها وإنما همهم مأكولهم ومشروبهم وملبوسهم كما لا يخفى حتى لم يبق من هذه الحيثية فرق بينهم وبين نسائهم وليس الخبر كالعيان فكيف يحسن في الرأي المسارعة إلى عقد الحرب مع أجناس الفرنج وما مثلنا ومثلهم إلا كمثل طائرين أحدهما ذو جناحين يطير بهما حيث شاء والآخر مقصوصهما واقع على الأرض لا يستطيع طيرانا ولا يهتدي إليه سبيلا فهل ترى لهذا المقصوص الجناحين الذي هو لحم على وضم أن يحارب ذلك الذي يطير حيث شاء وهل يكون في ذلك إن كان إلا هلاك هذا وسلامة ذاك بل وغنيمته فإن ذاك ينقر هذا متى وجد فيه فرصة للنقر ويبعد عنه ويطير إذا لم يجدها وهكذا يستمر حاله معه حتى يثبته أو يملكه بالكلية وليس في طوق هذا إلا أن يدفعه عن نفسه في بعض الأحيان إذا تأتى له ذلك ولكن إلى متى فهكذا حالنا مع عدونا فإنه بقراصينه الحربية ذو أجنحة كثيرة فهو علينا بالخيار يهجم علينا في ثغورنا إذا شاء ويبعد عنا فلا ندركه متى شاء وقصارانا معه الدفع عن أنفسنا إذا اتفقت كلمتنا ولم تشغلنا غوغاء الأعراب من خلفنا وهيهات فقد جرب ذلك مرارا فصح والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين كما قال عليه السلام والكلام في