@ 191 @ هذا الفصل أيضا طويل وفيما أشرنا إليه كفاية فإن قلت أراك قد صيرت الجهاد الذي حث عليه الشرع ووعد عليه بالثواب العظيم محض فتنة وقد زهدت الناس فيه وقطعت آمالهم منه بهذا الكلام قلت أعلمت يا أخي ما هو الجهاد الذي حث عليه الشرع ووعد عليه بالثواب العظيم اعلم أن الجهاد المذكور هو قتال أهل الشرك والطغيان على إعلاء كلمة الرحمن لينساقوا بذلك إلى الدخول في دين الله طوعا أو كرها ولتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى مع نفاذ البصيرة وخلوص النية والغيرة على دين الله وكل ذلك بشرط القوة المكافئة أو القريبة منها ومهما اختل ركن أو شرط مما ذكرنا كان إلى الفتنة أقرب منه إلى الجهاد بل نقول إن الجهاد الشرعي قد تعذر منذ أحقاب فكيف تطلبه اليوم فإن كنت تسارع إلى الحرب لتدركه جهلا منك بحقيقة الأمر فاعلم أنك إنما تسارع إلى إيقاد نار الفتنة وايجاد العدو السبيل عليك وإمكانه من ثغرتك وتسليطه على السبي لحريمك ومالك ودمك نسأل الله العافية اللهم إلا أن تكون ممن اختارهم الله وأهلهم لذلك وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه كما نسمع اليوم عن أمة الحبشة والنوبة الذين يقاتلون عساكر النجليز على تخوم صعيد مصر وغيرها فقد تواتر النقل وصح الخبر أن دولة النجليز قد بارت حيلها مع هؤلاء القوم وأنها وجهت إليهم العساكر من الديار المصرية بكل قوة وشوكة مرة بعد أخرى فمحقوهم محقا مع أنهم لايقاتلونهم في الغالب إلا بالحراب على عادة السودان في ذلك والنصر بيد الله وأما الوجه الثالث وهو الفهم عن الله تعالى والنظر في تصرفاته سبحانه في هذا الوجود بعين الاعتبار فهذا حق الكلام فيه أن يكون من أرباب البصائر المتنورة والقلوب المطهرة لا من أمثالنا الذين أصبحوا على أنفسهم مسرفين وفي أودية الشهوات منهمكين تداركنا الله بلطفه لكنا نقول وإن كان القول من باب الفضول إذا نظرنا ما عامل الله تعالى به عبده أمير المؤمنين مولانا الحسن أيده الله وجدناه والحمد لله مصنوعا له مصحوبا بالعناية الإلهية مكلوء بعين الرعاية الربانية تصحبه السعادة أينما توجه ويختار له في جميع ما يحاوله ولا تنجلي مهماته إلا عن