@ 114 @ ووعيدا في حق من يريد ظلمهم وتشديد ليزيد اليهود أمنا إلى أمنهم ومن يريد التعدي عليهم خوفا إلى خوفهم صدر به أمرنا المعتز بالله في السادس والعشرين من شعبان المبارك عام ثمانين ومائتين وألف ولما مكنهم السلطان من هذا الظهير أخذوا منه نسخا وفرقوها في جميع يهود المغرب وظهر منهم تطاول وطيش وأرادوا أن يختصوا في الأحكام فيما بينهم لا سيما يهود المراسي فإنهم تحالفوا وتعاهدوا على ذلك ثم أبطل الله كيدهم وخيب سعيهم على أن السلطان رحمه الله لما أحس بطيش اليهود عقب ذلك الظهير بكتاب آخر بين فيه المراد وأن ذلك الإيصاء إنما هو في حق أهل المروءة والمساكين منهم المشتغلين بما يعنيهم وأما صعاليكهم المعروفون بالفجور والتطاول على الناس والخوض فيما لا يعني فيعاملون بما يستحقونه من الأدب .
واعلم أن هذه الحرية التي أحدثها الفرنج في هذه السنين هي من وضع الزنادقة قطعا لأنها تستلزم إسقاط حقوق الله وحقوق الوالدين وحقوق الإنسانية رأسا أما إسقاطها لحقوق الله فإن الله تعالى أوجب على تارك الصلاة والصوم وعلى شارب الخمر وعلى الزاني طائعا حدودا معلومة والحرية تقتضي إسقاط ذلك كما لا يخفى وأما إسقاطها لحقوق الوالدين فلأنهم خذلهم الله يقولون إن الولد الحدث إذا وصل إلى حد البلوغ والبنت البكر إذا بلغت سن العشرين مثلا يفعلان بأنفسهما ما شاءا ولا كلام للوالدين فضلا عن الأقارب فضلا عن الحاكم ونحن نعلم أن الأب يسخطه ما يرى من ولده أو بنته من الأمور التي تهتك المروءة وتزري بالعرض سيما إذا كان من ذوي البيوتات فارتكاب ذلك على عينه مع منعه من الكلام فيه موجب للعقوق ومسقط لحقه من البرور وأما إسقاطها لحقوق الإنسانية فإن الله تعالى لما خلق الإنسان كرمه وشرفه بالعقل الذي يعقله عن الوقوع في الرذائل ويبعثه على الاتصاف بالفضائل وبذلك تميز عما عداه من الحيوان وضابط الحرية عندهم لا يوجب مراعاة هذه الأمور بل يبيح للإنسان أن يتعاطى ما ينفر عنه الطبع وتأباه الغريزة الإنسانية من التظاهر بالفحش والزنى وغير ذلك إن شاء لأنه مالك أمر نفسه فلا يلزم أن يتقيد بقيد ولا فرق بينه وبين البهيمة