@ 95 @ .
فزادت ضعف ما كانت عليه وأكثر واستمرت كذلك فلم ترجع بعد ثم أخذ في ترتيب بناء المدينة وتبديل شكلها حسبما جرت به عادة النصارى في مدنهم فهدم ما لم يوافق نظره وفرز الدور من سور البلد وكل دار كانت ملتصقة بالسور فصلها عنه واستمر على هذا الحال نحو العشرين يوما ثم دار الكلام بينه وبين المولى العباس في الصلح وتسامع الناس به ففرح المسلمون والنصارى معا أما المسلمون فوجه فرحهم ظاهر وأما النصارى فإنهم وإن كان لهم الظهور فهم لا يدركونه سهلا بل مع القتل العظيم والجرح الكثير والمشقة الفادحة قال تعالى ! < إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون > ! النساء 104 هذا إلى مفارقة بلادهم التي ألفوها وعوائدهم التي ربوا عليها لا سيما عامة جيشهم الذين الغلبة في ضمن هلاكهم فدماؤهم هي ثمنها كما قيل بجبهة العير يفد حافر الفرس .
حكى من حضر أن عسكر النصارى لما سمعوا بتناول الصلح حصل لهم من الفرح أضعاف ما حصل للمسلمين وصاروا يترددون إليهم ويبحثونهم عما تجدد من الأخبار وكلما سمعوا بشيء من أمر الصلح طاروا فرحا وذلك لأن قتال النصارى كله على الإكراه إذ لا يمكن عسكريا منهم أن يفر من الزحف حال القتال لأن الخيالة والسيافة من ورائهم يذمرونهم إلى الإمام ومهما رجع أحد منهم إلى خلف وترك في الصف فرجة ضربت عنقه في الحين فالموت عندهم في الفرار محقق وفي التقدم مظنون فيختارون المظنون على المحقق اللهم إلا إذا اشتدت الحرب وحمي الوطيس واختلط الرجال بالرجال أمكن الفرار حينئذ لاشتغال الرئيس والمرؤوس كل بنفسه وبهذا الضبط لم تتفق لهم هزيمة منذ خرجوا من سبتة ومن عادة العدو في الحرب أنه إذا نهض للقتال ارتحل بجميع ما في عسكره كأنه مسافر فترى العسكري منهم إذا تقدم للقتال حاملا معه جميع ما يحتاج إليه من ماء وطعام وبارود ورصاص حتى الموسى والمقص والمرآة والصابون وغير ذلك قد اتخذ لجميع ذلك أوعية لطافا وعلقها عليه فلا يؤده حملها لأنه اقتصر من كل على