@ 90 @ .
وصلحت أحوال جيشه أنشب القتال فكان يخرج فيحوم حول المحلتين فيقاتل ويرجع فكان بريم دائما يكون في أول المقدمة على فرس أبيض مشهورا عندهم موصوفا بالشجاعة وجودة الرأي ثم إن العدو عزم على مصادمة المسلمين والهجوم على تطاوين فارتحل يوم السبت الحادي عشر من رجب سنة ست وسبعين ومائتين وألف وانكمش واجتمع وتقدم للقتال وأرسل جناحا من الخيل طالعا مع الوادي إلى جهة المدينة وجناحا من العسكر الرجالة طالعا من الغابة إلى جهتها أيضا وزحف بعسكره شيئا فشيئا وهو في ذلك يرمي الكور والضوبلي والبغال تجر المدافع والجناحات ممتدان يكتنفان محلة المولى أحمد ولما قربا منها وكاد ينطبقان عليها فر من كان بها وتركوا الأخبية والأثاث بيد العدو فاستولى عليها ونزل هنالك بعسكره وحصن عليه وتقهقر المولى العباس بجيشه حتى نزل خلف تطاوين وبقيت بينه وبين العدو وكان في تقهقره هذا قد دخل المدينة ومر في وسطها واضعا منديلا على عينيه وهو يبكي أسفا على الدين وقلة ناصره ولما استقر بالمحلة مع العشي خرج إليه أهل تطاوين وشكوا إليه ما نزل بهم من أمر العدو واستأذنوا في تحويل أثاثهم وأمتعتهم وحريمهم إلى مداشر الجبل وحيث يأمنون على أنفسهم قبل حلول معرة العدو بهم فأذن لهم وعذرهم وكان قبل ذلك قد منع الناس من نقل أمتعتهم وحريمهم لئلا يفتنوا المسلمين ويجروا عليهم الهزيمة ولكي يقاتلوا عليها بالقلب والقالب فلما كان هذا اليوم وشكوا إليه أمر العدو الذي قد أطل عليهم ولم يبق إلا أن يثب وثبة أخرى فيصير بها في وسط البلد عذرهم وكان العدو حين نزل بفم الجزيرة عشية ذلك اليوم قد أرسل أربع كورات على تطاوين فوقعت في وسط المدينة كأنه يعلمهم بأنه قد أشرف عليهم ولم يبق دون أخذهم قليل ولا كثير ولما سمع الناس كلام المولى العباس انطلقوا مسرعين إلى نقل أمتعتهم وقام الضجيج في المدينة واختلط المرعى بالهمل وامتدت أيدي الغوغاء إلى النهب وخلع الناس جلباب الحياء وانهار من كان هنالك من أهل الجبل والأعراب والأوباش ينقبون ويكسرون أبواب الدور والحوانيت والداخل للمدينة أكثر من الخارج