@ 58 @ .
حكى من حضر أن الخيل كان يطردون الجماعة من أصحاب الحاج عبد القادر وهم راجلون ليأسروهم فما كانوا يدركونهم إلا بعد المسافة البعيدة جدا والحاصل أن مقام هذا الرجل في الشجاعة معروف وبصارته بمكائد الحرب معلومة لولا ما ذكرناه من انعكاس حاله ورومه الاستبداد وخلعه طاعة الإمام الحق الذي كانت بيعته في عنقه .
واعلم أنه قد يقف بعض المنتقدين على ما حكيناه من أخبار هذا الرجل فينسبنا إلى تعصب وسوء أدب والجواب أنا ما حكينا إلا الواقع وأيضا فلقد قال لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله حضرت يوما بين يدي السلطان أبي عنان في بعض وفاداتي عليه لغرض الرسالة وجرى ذكر بعض أعدائه فقلت ما أعتقد في إطراء ذلك العدو وما عرفته من فضله فأنكر علي بعض الحاضرين ممن لا يحطب إلا في حبل السلطان فصرفت وجهي وقلت أيدكم الله تحقير عدو السلطان بين يديه ليس من السياسة في شيء بل غير ذلك أحق وأولى فإن كان السلطان قد غلب عدوه كان قد غلب غير حقير وهو الأولى بفخره وجلالة قدره وإن غلبه العدو لم يغلبه حقير فيكون أشد للحسرة وآكد للفضيحة فوافق رحمه الله على ذلك واستحسنه وشكر عليه وخجل المعترض اه .
ولما كان هذا الفتح كتب السلطان إلى البلاد وزينت الأسواق وأعلمت المفرحات ونص ما كتب به السلطان بعد الافتتاح وبعد فإن الفاسد الفتان وخليفة الشيطان أبعد في الجسارة وامتطى مطي الخسارة واستوسع سبيل العناد واستضل سبيل الرشاد وقال من أشد منه قوة وسولت له نفسه الأمارة الاتصاف بالإمارة وأراد شق عصا الإسلام وصدع مهج الأنام فأعلن بكل قبيح واستشكل كل صريح واستبطن المكر والخداع وفاق فيه عابدي ود وسواع وشاع في طرف الإيالة ضرره وساء مخبره وهو في خلال ذلك يظهر مظاهر يستهوي بها أهل الجهالة والعماية والضلالة فأيسنا من رشده وعرفنا مضمر قصده فجهزنا له محلة منصورة ذات أعلام منشورة جعلنا في وسطها ولدنا الأبر سيدي محمد أصلحه الله وأسندنا إليه