@ 57 @ .
فوجه معهم الخليفة من يصحبهم إلى أبيه بفاس وفي أثناء ذلك عمد الحاج عبد القادر ذات ليلة إلى طائفة من جنده نحو الخمس عشرة مائة على ما قيل كلهم بطل مجرب انتقاهم انتقاء وكان جيش الخليفة منقسما قسمين بعضه معه وبعضه مع أخيه المولى أحمد فضمد الحاج عبد القادر إليهما .
( في ليلة من جمادى ذات أندية % لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا ) .
بتلك العصبة الذين هم فتيان الكريهة ومساعير الهيجاء وجمرات الحرب كالما شهد بهم الوقائع وخاض غمرات الموت مع الفرنسيس وغيره فلم يقف بهم إلا بين المجلتين وأطلقوا الرصاص مثل المطر وأرسلوا حراقيات على الجمال وتهاويل مفزعة فماج الناس في ذلك الظلام الغاسق ونزل بهم من الهول ما يقصر اللسان عن وصفه وقام الخليفة فجعل يسكن الناس بنفسه ويمنعهم من الركوب خوف الفرار وأمر العسكر والطبجية بالرمي بالكور والضوبلي فكانوا يرمون إلى جهة محلة المولى أحمد ظنا منهم أن العدو لا زال مقابلهم ومحلة المولى أحمد يرمون إلى جهتهم كذلك فهلك من المحلتين بسبب ذلك بشر كثير وأما الحاج عبد القادر فإنه فر في أصحابه بعد أن حملوا الكثير من موتاهم معهم وكان للقائد محمد في تلك الليلة ذكر ولما أصبح الناس وتفقدوا حالهم وجدوا فيهم من الجرحى نحو الألف ومن القتلى ما يقرب ذلك وأصبح حول المحلة من قتلى أصحاب الحاج عبد القادر الذين أجهضهم القتال عن حملهم نحو الخمسين وأسروا نفرا أحياء فشاهدوا من طمأنينتهم عند القتل ما قضوا منه العجب ووجدوا عليهم كسى رفيعة مطرزة بالصقلى والحرير ونحو ذلك فلقد كان للرجل اعتناء بالجيش كما نرى ثم إن الخليفة رحمه الله أمر باتباع الحاج عبد القادر فتبعته الكتائب المختارة فكان اللقاء ثانيا بمشرع الرحائل من وادي ملوية قرب البحر عند مسقط ملوية في البحر فصدمته الجيوش صدمة أخرى فنى فيها كماته وكسرت شوكته وفل حده وخشعت نفسه وأيس من جبر حاله ففر إلى الفرنسيس ولجأ إليه وترك محلته بما فيها فاستولى جيش الخليفة عليها