@ 52 @ .
في الرحيل فأمر الخليفة رحمه الله الناس بالركوب والاستعداد وأن لا يبقى بالمحلة إلا الرماة وكانوا دون الألف وبعث إلى بني يزناسن بالركوب فركبوا في ألوف كادت تساوي جيش الخليفة وصارت الخيل نحو العدو مصطفة مد البصر وراياتها تخفق على هيئة عجيبة وترتيب بديع وكان الخليفة سائرا في وسطهم ناشرا المظلة على رأسه راكبا على فرس أبيض وعليه طيلسان أرجواني قد تميز بزيه وشارته ولما تقارب الجيشان جعلت الفرسان تبرز من الصفوف كأنما تتعجل القتال فأمر الخليفة رحمه الله بالسكينة والوقار والسير بسير الناس .
ثم لما التقى الجمعان وانتشبت الحرب رصد العدو الخليفة وقصده بالرمي مرات عديدة حتى سقطت بنبة أمام حامل المظلة وجمح فرسه به وكاد يسقط ولما رأى الخليفة ذلك غير زيه بأن أسقط المظلة ودعا بفرس كميت فركبه ولبس طيلسانا آخر فاختفى حينئذ وكان المسلمون قد أحسنوا دفاع العدو وصدموه صدمة قوية برقت لهم بها بارقة وكانت خيلهم تنفر من صوت المدافع ولكنهم كانوا يقحمونها إقحاما وثبتوا في نحر العدو مقدار ساعة ولما التفتوا إلى جهة الخليفة ولم يروه بسبب تغير زيه خشعت نفوسهم وقال المرجفون إن الخليفة قد هلك فماج الناس بعضهم في بعض وتسابق الشراردة إلى المحلة فعمدوا إلى الخباء الذي فيه المال فانتهبوه وتقاتلوا عليه وتبعهم غيرهم ممن كان الرعب قد ملك قلبه وجعل الناس يتسللون حتى ظهر الفشل في الجيش من كل جهة فتقدم بعض الحاشية إلى الخليفة وقال له يا مولانا إن الناس قد انهزموا وهم الآن بالمحلة يقتل بعضهم بعضا ويسلب بعضهم بعضا فقال يا سبحان الله والتفت فرأى ما هاله من أمر الناس فرجع عوده على بدئه وانهزم من كان قد بقي معه عن آخرهم وتبعهم العدو يرمي الكور والضوبلي من غير فترة وثبت الله بعض الطبجية بالمحلة ولكن سال الوادي فطم على القرى ونفذ أمر الله ولم يهزم المسلمين إلا المسلمون كما رأيت ولما استولى العدو على المحلة فر النهاب الذين كانوا