@ 43 @ .
الشباب حين بقل عذاري فأقمت بها مدة وكان الحاج عبد القادر بن محيي الدين إذ ذاك مهادنا لكبير الفرنسيس بوهران والجزائر قد أنزل كل واحد منهما ببلد الآخر قنصله وتجاره على العادة في ذلك أيام الهدنة فلما كان ذات يوم ورد الخبر بأن قبيلتي الزمالة والدوائر من إيالة الحاج عبد القادر وهم نحو الألفين كانوا قد فروا منه ونزلوا حول مدينة وهران مستجيرين بالفرنسيس وقد رفعوا سنجقة وأعلنوا بأنهم تحت حكمه ومن جملة رعيته فبعث إليهم الفرنسيس يعلمهم بأنه قد قبلهم ولا يصيبهم مكروه فلما كان من الغد بعث الحاج عبد القادر مع كبير دولته الحاج الحبيب ولد المهر المعسكري كتابا إلى الفرنسيس يقول فيه إنك قد علمت أن هؤلاء القوم الذين فروا إليك هم رعيتي ومن إيالتي وعليه فلا بد أن تردهم علي وإلا فالحرب بيني وبينك فامتنع الفرنسيس من ردهم وأجاب إلى الحرب واتفقوا أن يخرج كل منهما إلى الآخر تجاره الذين في أرضه وأن من بقي منهم بعد ثلاث فهو هدر واتفقوا أيضا على أن يكون القنصلان آخر من يخرج وأن يكون خروجهما في ساعة معلومة من الليل بحيث يلتقيان على المحدة التي بين أرض المسلمين وأرض النصارى ففعلوا وخلص كل إلى مأمنه .
ولما انقضى الأجل تزاحفوا للقتال في يوم معلوم فكانت بينهم حرب يشيب لها الوليد ولما كان عشي النهار سمع الناس من داخل البلد ضوضاء وجلبة عظيمة وبارودا كثيرا وإذا بالحاج عبد القادر هزم الكفار هزيمة شنعاء حتى ألجأهم إلى سور البلد وازدحموا على أبوابه وركب بعضهم بعضا وجاءت خيالتهم من خلفهم فركبوهم أيضا ومشوا عليهم ورفسوهم بخيلهم فهلك بهذا الازدحام من الفرنسيس نحو أربعة آلاف دون الذين هلكوا خارج البلد بالكور والرصاص والتوافل والرماح واستولى المسلمون على معسكر النصارى بما فيه من مدافع وعجلات وفساطيط وأخبية وأثاث وكانت فتكة بكرا قال الحاج عبد الكريم المذكور وكنت في تلك المدة مساكنا لبعض كبراء عسكر الفرنسيس في دار واحدة فلما انقضت الوقعة بيوم أو يومين سألته كم تراه يكون هلك من عسكر الفرنسيس في هذه الوقعة قال أقرب لك أم