ووبخوها بما فرط منها من الجهل والتضييع والشرور والتمادي والتمرد في ركوب المعاصي فوبخوها بين يديه وعاتبوها معاتبة من قد عرض عليه وقرروها تقرير مناقشة الحساب وجرعوها ما توعده الله من أليم العذاب وشديد العقاب ثم أقاموها مقام الخزي فأبدلوها بحال الرفاهات والقشف والتقشف والضر والتخفف فأبدلوها بالشبع جوعا وبالنوم سهرا وبالراحة تعبا وبالقعود نصبا وبطيب المطاعم الخبيث الخشن وبلين الملابس الخشن الجافي وبأمن الوطن خوف البيات ثم أزعجوها عن توطن ما به ألزموها فمنعوها استواء الأوقات في بذل الاجتهاد وأخذوها بدائم الازدياد على سبيل الموازنة وأقاموها مقام التصفح والتفتيش والمحاسبة والتوقيف على كل لحظة وخطرة وهمة ولفظة وفكرة وأمنية وشهوة وإرادة ومحبة فهكذا أبدا دأبهم وفي هذه أبدا حالهم على هذه السياسة بشرط هذه المجاهدة وانتصاب هذه المكابدة وإحاطة هذه المراوضة ومع هذا فالهرب إلى الله فيها والاعتضاد بالله عليها والتأوي إلى الله منها والاستعاذة بالله من شرها والاستعانة بالله على كيدها والصراخ إلى الله عند شرودها واستغث بالملك الأعلى الذي هو صريخ الأخيار ومنجأ الأبرار وملتجأ المتقين وناصر الصاحلين لأن الله تعالى إذا شكر لوليه عظيم ما جاهد وجسيم ما كابد ومشقة ما احتمل وجهد ما انتصب تولاه بالنصرة والتأييد والعز والتأييد ومن نصره لم يخذل ومن أعزه لم يقهر ومن تولاه لم يذل فروحها روح اليقين وأضاء لها علامات التصديق من الله بالقبول وأنارت لها علامات التحقيق وتوالت عليها مداومة المزيد وعادت عليها تكرار التحف والبر والكرامات وعطفت عليها عواطف الفضل بالرحمة والبذل لأن الله تعالى المبتدئ عبده بما ابتدأبه العبد من بذل في قربة أو من اجتهاد في وسيلة أو من منافسة في فضيلة أو من مسارعة إلى خدمة أو من إخلاص في نية أو من تكامل في رغبة أو من تحقيق في محبة فالله المبتدئ لها بذلك بما به أقامها وبما به إليها دعاها فهذه كلها صفة الحياة ومشاربها وانبجاس أحوالها وتشعب مذاقاتها بكل ما وصفناه من غم وسرور