إن الله جعل الاختبار موصولا بالاختيار والإجابة مؤداة إلى الأبرار بتوفيق هدايته وابتداء رأفته وجعل رحمته مفتاحا لكل خير في أرضه وسمائه فكان مما اختار لنفسه عبادا اتخذهم لنفسه ورضيهم لعبادته واصطنعهم لخدمته واجتباهم لمحبته ونصبهم لدعوته وأبرزهم لإجابته واستعملهم بمرضاته فألطف لهم في الدعوة باختصاص المنة فأظهر دعوته في قلوبهم بإظهار صنعه وصنعائه وما غذاهم به من لطفه وألطافه وبره ونعمائه فوطأ لهم الطريق وكشف عن قلوبهم فسارعت قلوبهم بإجابة التحقيق وذلك لما عرفوا واستبانوا مما به لله دانوا مما تعرف به إليهم من البر والتحف والكرامات والطرف والفوائد السنية والمواهب الهنية فسارعت لإجابته بخالص موافقته والإعراض عن مخالفته والعطف على كل ما عطف به عليها والإقبال على كل ما دعاها إليه بلا تثبط في مسير ولا التفات في جد ولا تشمير فوصلوا الغدو بالتبكير وقطعوا فيها العلائق وانفردوا به دون الخلائق فساروا سير متقدمين وجدوا جد معتزمين وحثوا حث مبادرين وداوموا مداومة ملازمين وانتصبوا انتصاب خائفين للفوت والحرمان وخوف السلب لما تقدم إليهم من الإحسان فعبدوه بأبدان خفاف وعاملوه بفطن لطاف وقصدوه بإرادات صادقة وهمم خالصة ورغبات طامحة وقلوب صافية فابتدؤا من معاملة الله فيما به ابتدأهم حين دعاهم إذ يقول تعالى يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم فطلبوا طيب الحياة بإخلاص الإجابة وعملوا في الظفر بالحياة إذ دعاهم الله إليها ونبههم بلطفه عليها فجعلوا إقامتهم وإرادتهم وأملهم ومناهم الظفر بالحياة فعملوا في تحقيق موجباتها في الأحوال الواردة بهم عليها .
سمعت أبا محمد عبدالله بن محمد بن جعفر يقول سمعت عمرو بن عثمان المكي يقول في وصف سياسة النفوس قال يبتدئ بعد الإجابة بتوفيق النفوس لما كان منها من مخالفة الملك ومعصيته الجبار فألزمها التوبة والتنصل والاعتذار وتكرير الاستغفار الاجتهاد في حل الإصرار باللجأ والاستئجار والاعتصام بمليكهم الجبار فوافقوها موافقة على موازنة وعاتبوها معاتبة على محاضرة