عوام المسلمين وكذلك وصفهم الله فقال إنما يخشى الله من عباده العلماء وقال داود عليه السلام إلهي ما علم من لم يخشك فالمعرفة التي فضلت بها الخاصة العامة هي عظيم المعرفة فإذا عظمت المعرفة بذلك واستقرت ولزمت القلوب صارت يقينا قويا فكملت حينئذ أخلاق العبد وتطهر من الأدناس فنال به عظيم المعرفة بعظيم القدر والجلال والتذكر والتفكر في الخلق كيف خلقهم وأتقن صنعتهم وفي المقادير كيف قدرها فاتسقت علىالهيئات التي هيأها والأوقات التي وقتها وفي الأمور كيف دبرها على إرادته ومشيئته فلم يمتنع منها شيء عن المضي على إرادته والاتساق على مشيئته وقد قال بعض أهل العلم إن النظر في القدة يفتح باب التعظيم لله في القلب ومر بعض الحكماء بمالك بن دينار فقال له مالك عظنا رحمك الله فقال بم أعظك إنك لو عرفت الله أغناك ذلك عن كل كلام لكن عرفوه على دلالة أنهم لما نظروا في اختلاف الليل والنهار ودوران هذا الفلك وارتفاع هذا السقف بلا عمد ومجاري هذه الأنهار والبحار علموا أن لذلك صانعا ومدبرا لا يعزب عنه مثقال ذرة من أعمال خلقه فعبدوه بدلائله على نفسه حتى كأنهم عاينوه والله في دار جلاله عن رؤيته ففي ذلك دليل أنهم بعظيم قدره أعرف وأعلم إذ هم له أجل وأهيب .
سمعت أبا الحسن علي بن هارون بن محمد السمسار يقول سمعت الجنيد ابن محمد يقول اعلم يا أخي أن الوصول إذا ما سألت عنه مفاوز مهلكة ومناهل متلفة لا تسلك إلا بدليل ولا تقطع إلا بدوام ورحيل وأنا واصف لك منها مفازة واحدة فافهم ما أنعته لك منها وقف عند ما أشير لك فيها واستمع لما أقول وافهم ما أصف اعلم أن بين يديك مفازة إن كنت ممن أريد بشيء منها وأستودعك الله من ذلك وأسأله أن يجعل عليك واقية باقية فإن الخطر في سلوكها عظيم والأمر المشاهد في الممر بها جسيم فإن من أوائلها أن يوغل بك في فيح برزخ لا أمد له إيغالا ويدخل بك بالهجوم فيه إدخالا وترسل في جويهنته إرسالا ثم تتخلى منك لك ويتخلى منك له فمن أنت