في أعلاها وإن كان لا يبلغ منها غاية ولا نهاية إذ لا غاية للمعروف عند العارفين وكيف تحيط المعرفة بمن لا تلحقه الفكرة ولا تحيط به العقول ولا تتوهمه الأذهان ولا تكيفه الرؤية وأعلم خلقه به أشدهم إقرارا بالعجز عن إدراك عظمته أو تكشف ذاته لمعرفتهم بعجزهم عن إدراك من لا شيء مثله إذ هو القديم وما سواه محدث وإذ هو الأزلي وغيره المبدأ وإذ هو الإله وما سواه مألوه وإذ هو القوي من غير مقو وكل قوي فبقوته قوي وإذ هو العالم من غير معلم ولا فائدة استفادها من غيره وكل عالم فبعلمه علم سبحانه الأول بغير بداية والباقي إلى غير نهاية ولا يستحق هذا الوصف غيره ولا يليق بسواه فأهل الخاصة من أوليائه في أعلى المعرفة من غير أن يبلغوا منها غاية ولا نهاية والعامة من المؤمنين في أولها ولها شواهد ودلائل من العارفين على أعلاها وعلى أدناها فالشاهد على أدناها الإقرار بتوحيد الله وخلع الأنداد من دونه والتصديق به وبكتابه وفرضه فيه ونهيه والشاهد على أعلاها القيام فيه بحقه واتقاؤه في كل وقت وإيثاره في جميع خلقه واتباع معالي الأخلاق واجتناب مالا يقرب منه فالمعرفة التي فضلت الخاصة على العامة هي عظيم المعرفة في قلوبهم بعظيم القدر والإجلال والقدرة النافذة والعلم المحيط والجود والكرم والآلاء فعظم في قلوبهم قدره وقدر جلالته وهيبته ونفاذ قدرته وأليم عذابه وشدة بطشه وجزيل ثوابه وكرمه وجوده بجنته وتحننه وكثرة أياديه ونعمه وإحسانه ورأفته ورحمته فلما عظمت المعرفة بذلك عظم القادر في قلوبهم فأجلوه وهابوه وأحبوه واستحيوا منه وخافوه ورجوه فقاموا بحقه واجتنبوا كل ما نهى عنه وأعطوه المجهود من قلوبهم وأبدانهم أزعجهم على ذلك ما استقر في قلوبهم من عظيم المعرفة بعظيم قدره وقدر ثوابه وعقابه فهم أهل الخاصة من أوليائه فلذلك قيل فلان بالله عارف وفلان بالله عالم لما رأوه مجلا هائبا راهبا راجيا طالبا مشتاقا ورعا متقيا باكيا حزينا خاضعا متذللا فلما ظهرت منهم هذه الأخلاق عرف المسلمون أنهم بالله أعرف وأعلم من