بما علمت ولزمتك من الله أعظم الحجة لأنك أن تضيع حق الله وأنت لا تعلم خير من أن تضيع حق الله وأنت تعلم لأن الجاهل لا يؤتى بتعمد من قلبه ولا جرءة واستخفافا باطلاع ربه والعالم بما يأتي متعمدا ترك حق ربه بقلة رهبة من الله متهاون بنظر الله متعرض لسخطه وهو يعلم ويتشوق لحرمان جوار الله وهو يبصر فآثر القليل الفاني على العظيم الباقي وولى على النجاة من العذاب وسلك الطريق إلى عذاب الجحيم وسمحت نفسه بالجنة وأسلمها لأيدي العقوبة قلت إني لا أقوى على الحلم عند الشتم والأذى فقال ثقل عليك كظم الغيظ وخف عليك الإشتفاء قلت مم ثقل علي كظم الغيظ وخف على التشفي قال لأنك تعد الحلم ذلا وتستعمل السفه أنفا قلت فبم أقوى على كظم الغيظ قال بصبر النفس وحبس الجوارح قلت بم أجتلب صبر النفس وكف الجوارح قال بأن تعقل وتعلم أن الحلم عز وزين والسفه ذل وشين قلت كيف أعقل ذلك وقد حل بقلبي ضده فغلب عليه أني إن صبرت على كظم الغيظ كان ذلك إذلالا لي ممن أذاني ولزم قلبي الأنف أن يكون من شتمني قد قهرني وعجزت عن الإنتقام منه وإشفاء غيظي قال إنما لزم قلبك ذلك لأنك لم تعقل ظاهر قبح السفه منك وحسن ستر الحلم عليك وجزيل مثوبة الله لك في آخرتك قلت وبم أعرف هاتين الخصلتين قال أما قبح السفه وزوال حسن رد الحلم فبما ترى من أحوال شاتمك ومؤذيك بالغيظ والغضب من لونه وفتح عينيه وحمرة وجهه وانقلاب عينيه وكراهية منظره واستخفافه بنفسه وزوال السكينة والوقار عن بدنه فأنت تبين ذلك منه ويراه كل عاقل من فاعله فإذا بليت بذلك فاذكر ما أعد الله سبحانه وتعالى للكاظمين الغيظ من إيجاب محبته وجزيل ثوابه فإن الإشتفاء ينقضي سريعا ويبقى سوء عاقبته في آخرتك وكظم غيظك يسكن سريعا ويدخر ثواب الله بذلك في معاده ولا ينبغي للعاقل أن يرضى بدناءة نفسه وسوء رغبته بأن يكون ممن ترضيه