وقاتل أعداءك بأوليائك وغضبك بحلمك وغفلتك بتفكرك وسهوك يتنبهك فإنك قد منيت وابتليت من معاني طبائعك ومكابدة هواك وعليك بالتواضع فإلزمه وأعلم أن لك من العون عليه أن تذكر الذي أنت فيه والذي تعود إليه والتواضع له وجوه شيء فأشرفها وأفضلها أن لا ترى لك على أحد فضلا وكل من رأيت كن له بالضمير والقلب مفضلا ومن رأيت من أهل الخير رجوت بركته والتمست دعوته وظننت أنه إنما يدفع عنك به فهذا التواضع الأكبر والتواضع الذي يليه أن يكون العبد متواضعا بقلبه متحببا إلى من عرفه غير محتقر لمن خالفه ولا مستطيلا على من هو بحضرته وليس بقريب منه وأما التواضع الثالث فهو اللازم للعباد الواجب عليهم الذي لو تركوه كفروا فالسجود لله وبذلك جاء الحديث إنه من وضع جبهته لله فقد برئ من الكبر وقد من الله تعالى به علينا وعليكم أبلغنا الله وإياكم التواضع الأكبر .
أخبرنا محمد بن أحمد في كتابه وحدثني عنه أولا عثمان بن محمد ثنا أبو عبدالله أحمد بن عبدالله بن ميمون قال سمعت الحارث بن أسد يقول افهم ما أقول لك وفرغ للفكرة فيه عقلك وأدم له توهمك وتوهمه بذهنك وأحضر لبك واشتغل بذكره وبقطع كل مذكور سواه ومتوهم غيره فإنا خلقنا للبلوى والإختبار وأعد لنا الجنة أو النار فعظم ذلك الخطر وطال به الحزن لمن عقل واذكر حتى تعلم أين يكون المصير والمستقر ذلك بأنه قد عصى الرب وخالف المولى وأصبح وأمسى بين الغضب والرضا لا يدري أيهما قد حل به ووقع فعظم لذلك غمه واشتد به كربه وطال له حزنه حتى يعلم كيف عند الله حاله فإليه فارغب في التوفيق وإياه فسل العفو عن الذنوب واستعن بالله في كل الأمور فالعجب كيف تقر عينك أو يزول الوجل عن قلبك وقد عصيت ربك والموت نازل بك لا محالة بكربه وغصصه ونزعه وسكراته فكأنه قد نزل بك وشيكا فتوهم نفسك وقد صرعت للموت صرعة لا تقوم منها إلا إلى الحشر إلى ربك فتوهم ذلك بقلب فارغ وهمة