وسئل عن الشكر ما هو قال علم المرء بأن النعمة من الله وحده وأن لا نعمة على خلق من أهل السموات والأرض إلا وبدائعها من الله فشكر الله عن نفسه وعن غيره فهذا غاية الشكر وسئل عن الصبر قال هو المقام على ما يرضي الله تبارك وتعالى بترك الجزع وحبس النفس في مواضع العبودية مع نفي الجزع فقيل له فما التصبر قال حمل النفس على المكاره وتجرع المرارات وتحمل المؤن واحتمال المكابدات لتمحيص الجنايات وقبول التوبة لأن مطلب المتصبر تمحيص الجنايات رجاء الثواب ومطلب الصابر بلوغ ذرى الغايات والمتصبر يجد كثيرا من الآلام والصابر سقط عنه عظيم المكابدات لأن مطلبه العمل على الطيبة والسماحة لعلمه بأن الله ناظر إليه في صبره وأنه يعينه وأن صبره لمولاه لما يرضي مولاه عنه فاحتمل المؤن وفيه يقول الحكيم ... رضيت وقد أرضى إذا كان مسخطي ... من الأمر ما فيه رضى من له الأمر ... وأشجيت أيامي بصبر حلون لي ... عواقبه والصبر مثل اسمه صبر ... قيل فكيف السبيل إلى مقام الرضا قال علم القلب بأن المولى عدل في قضائه غير متهم وأن اختيار الله له خير له من اختياره لنفسه فحينئذ أبصرت العقول وأيقنت القلوب وعلمت النفوس وشهدت لها العلوم أن الله أجرى بمشيئته ما علم أنه خير لعبده في اختياره ومحبته وعلمت القلوب أن العدل من واحد ليس كمثله شيء فخرست الجوارح من الإعتراض على من قد علمت أنه عدل في قضائه غير متهم في حكمه فسر القلب من قضائه .
أخبرنا جعفر بن محمد في كتابه وحدثني عنه أحمد بن محمد بن مقسم قال سمعت الجنيد بن محمد يقول سمعت الحارث بن أسد يقول أعلم بأنك لست بشيء إلا بالله وليس لك شيء إلا ما نلت من رضوان الله وأنك إن اتقيته في حقه وقاك شر من دونه ولا يصلح عبد إلا أصلح الله بصلاحه سواه ولا يفسد عبد إلا أفسد الله بفساده غيره فأعداؤك من نفسك طبائعك السيئة وأولياؤك من نفسك طبائعك الحسنة فقاتل ما فيك من ذلك ببغض