هائجة من قلبك بالرحمة لبدنك الضعيف وارجع عما يكره مولاك وترضا عسى أن يرضى عنك واعتبه واستقله عثراتك وابك من خشيته عسى أن يرحم عبراتك فإن الخطب عظيم والموت منك قريب ولامولاك مطلع على سرك وعلانيتك واحدر نظره إليك بالمقت والغضب وأنت لا تشعر فأجل مقامه ولا تستخف بنظره ولا تتهاون بإطلاعه واحذره ولا تتعرض لمقته فإنه لا طاقة لك بغضبه ولا قوة لك بعذابه .
أخبرنا محمد بن أحمد وحدثني عنه عثمان ثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال سئل الحارث بن أسد عن مقام ذكر الموت ما هو عندك مقام عارف أو مستأنف فقال ذكر الموت أولا مقام المستأنف وآخر مقام العارف قيل له بين من أين قلت ذلك قال نعم أما المستأنف فهو المبتدئ الذي يغلب على قلبه الذكر فيترك الزلل مخافة العقاب فكلما هاج ذكر الموت من قلبه ماتت الشهوات عنده وأما العارف فذكره للموت محبة له اختيارا على الحياة وتبرما بالدنيا التي قد سلا قلبه عنها شوقا إلى الله ولقائه رجاء أمل النظر إلى وجهه والنزول في جواره لما غلب على قلبه من حسن الظن بربه كما قيل ... طال شوق الأبرار إلى الله ... والله إلى لقائهم أشوق ... قيل له فكيف نعت ذكر الموت في قلب المستأنف وقلب العارف قال المستأنف إذا حل بقلبه ذكر الموت كرهه وتخير البقاء ليصلح الزاد ويرو الشعث ويهيء الجهاز للعرض والقدوم على الله ويكره أن يفاجئه الموت ولم يقض نهمته في التوبة والإجتهاد والتمحيص فهو يحب أن يلقى الله على غاية الطهارة وأما نعته في قلب العارف فإنه إذا خطر ذكر ورود الموت بقلبه صادقت منه موافق مراده وكره التخلف في دار العاصين وتخير سرعة انقضاء الأجل وقصر الأمل فقيرة إليه نفسه مشتاق إليه قلبه كما روي عن حذيفة بن اليمان حين حضره الموت قال حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم اللهم إن كنت تعلم أن الموت أحب إلي من الحياة فسهل علي الموت حتى ألقاك قال وسئل الحارث عن قول أبي سليمان الداراني ما رجع