المتقنة من السماء والأرض وما بث بينهما من خلقه دلائل ناطقة وشواهد واضحة أن الذي دبرها عظيم قدره نافذ مشيئته عزيز في سلطانه وأشد الأشياء للقلب عن التشاغل بالدنيا الكمد من بعد الحزن وأبعث الأشياء على سخاء النفوس بترك الشهوات الشوق إلى لقاء العزيز الكبير وأشد الأشياء إزالة للمكابدات في علو الدرجات في منازل العبادات لزوم القلب محبة الرحمن وأنعم الأشياء لقلوب العابدين وأدومها لها سرورا الشوق إلى قرب الله واستماع كلامه والنظر إلى وجهه وأظهرها لقلوب المريدين التوبة النصوح منهم للعرض على رب العاملين فتلك طهارة المتقين ومن بعدها طهارة المحبين وهو قطع الأشغال لكل شيء من الدنيا عن محبوبهم فإذا طهرت القلوب من كل شيء سوى الله خلا من ذكر كل قاطع عن الله وزال عنه كل حاجب يحجب عنه فتم بالله سروره وصفا ذكره في قلبه واستنار له سبيل الإعتبار فكانت الدنيا وأهلها عينا ينظر بها إلى ما سترته الحجب من الملكوت فحينئذ دام بالله شغله وطال إليه حنينه وقرت بالله عينه فالحزن والكمد قد أشغلا قلبه والمحبة والشوق قد أشخصا إلى الله فؤاده فشوقه إلى طلب القرب والحزن أن يحال بينه وبينه .
أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد في كتابه قبل أن لقيته وحدثي عنه عثمان بن محمد العثماني ثنا أحمد بن عبدالله بن ميمون قال قلت للحارث بن أسد ما المزهود من أجله قال الذي تجانب الدنيا من أجله خمسة أشياء أحدها أنها مفتنة مشغلة للقلوب عنه والثانية أنها تنقص غدا من درجات من ركن إليها فلا يكون له من الدرجات كمن زهد فيها والثالثة أن تركها قربة وعلو عنده في درجات الجنة والرابعة الحبس في القيامة وطول الوقوف والسؤال عن شكر النعيم بها وفي واحدة من هذه الخصال ما يبعث المريد اللبيب على رفضها ليشتري بها خيرا منها والخامسة أعظم ما رفضوا من أجله موافقة الرب في محبته أن يصغروا ما صغر الله ويقللوا ما قلل الله ويبغضوا ما أبغض الله ويرفضوا ما أحب الله رفضه لو لم ينقصهم من ذلك