[400] وقد يكون من حق الصحابة أن يخطئوا، فكل إنسان كائنا من كان من حقه أن يصيب وأن يخطئ في الامور الظنية ما دام يجتهد اجتهاده الخاص، ولكن ليس من حق الباحثين أن يلغوا عقولهم وتفكيرهم المنطقي، أو أن يتصاغروا أمام الشخصيات الكبرى فيخفوا كلمة الحق، وكذلك ليس من حقهم أن يضعوا اجتهاد المخطئ واجتهاد المصيب في درجة واحدة من القبول والامتناع، بل يجب علينا أن نتثبت من ذلك كل التثبت. ولن يضير أم المؤمنين أن تجتهد وتخطئ ما دام هذا الحق مشروعا لكل من بلغ درجة الاجتهاد وما دام كل مجتهد محاسبا على اجتهاده بين يدي الله سبحانه، ولكن الضائر حقا في نظر المنهج العلمي الحديث أن نقف نحن من علي وعائشة موقف المتحامل المغرض، وأن نضعهما في منزلة واحدة من العدالة، وأن نسوي بين من اجتهد وأصاب وهو علي رضي الله عنه ومن اجتهد وأخطأ وهو عائشة، أو معاوية، أو غيرهما من الصحابة المتحاملين على الامام علي. لقد كان علي رضي الله عنه أمة وحده، لا لمحض كونه باب مدينة العلم، ولا لكونه وصي محمد عليه السلام، ولا لزرابة لسانه، أو قوة جنابة، وشجاعته في الحق، وإرسائه قواعد هذا الدين الحنيف ليس غير، ولكن لشئ خطير هو مناط ذلك كله، ألا وهو مراقبة الله سبحانه في جميع أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته، حتى لقد كان يضيق على نفسه ويشق عليها من أجل تحقيق المصلحة العامة للمسلمين وإثياره دنياهم ومصلحتهم على دنياه ومصلحته، ولو كان في ذلك أشد الضيق على نفسه. ولقد كان في خلافته مثلا أعلى، نزاهة في الطعمة، وعدالة في الاحكام، وعزوفا عن الدنيا. سعى غيره إلى الخلافة، وسعت الخلافة إليه، وآثره غيره مصلحة نفسه ومصلحة أقاربه، وآثر هو مصلحة المسلمين على نفسه وعلى أقاربه (ويؤثرون ________________________________________