[ 8 ] يشتمل على مالا يشتمل عليه صاحبه، ويحتوي علما لا يحتويه مضارعه، فإن الكحل لا يغني عن الشنسب (1) وإنما الفضل لمن سبق، وقد اعتنت بروايته ودراسته جماعة من العلماء في كل الاعصار، وعدوه من الاصول المعتبرة التي عليها المدار، من دون أي طعن فيه أو غمز في مؤلفه، بل انعقد إجماعهم دون محاشاة على اعتباره، وصححة جل أخباره، هذا اشيخ الشيعة، وزعيمها الاكبر، ومعلما المناضل المجاهد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعام الملقب بالمفيد (ره) كان يروي عنه في كتاب غيبته، ويحتج برواياته، وذك شيخ الظائفة، ورئيس الفرقة الناجية أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ره) كان ينقل منه ويعتقد صحته، وهكذا زمرة كبيرة من رجالات العلم وأئمة الحديث زينوا كتبهم بنقل أخباره وتبجيل مؤلفه وسرد أقواله. فإذا كان الكتاب ذا أهمية إلى هذه الدرجة فباحري أن يحيا وينشر، وحقيق بأن تتوفر نسخة، خليق بأن يحتفل على تدارسه، وباحيائه يحيا مؤلفه، ويظهر فضله، ويبرز نبله، ولابد أن ينشر في ثوب قشيب، عريا من الخلل والسقط والتحريف بحيث يليق بجلالة التأليف وشخصية المؤلف، فالتسامح في أمره يوجب الندم، والتقاعس عن مفروضه يورث زوال النعم، وعدم الاعتناء بشأنه عد من الذنوب التي تنزل النقم، والغفلة عنه تقود إلى الفوت لان الحياة تجر إلى الموت، وإضاعة الفرص تنتهي إلى تجرع الغصص، والصحة مركب الالم، والشيبة زورق يقطع إلى ساحل الهرم. فكنت أغدو وأروح في فجوة الانتظار، أترقب الفرصة وفراغ البال، فما زالت العوائق تدفعني عن القيام بواجبه، والمشاغل تمنعني عن الاقدام بأمره، وكلما جنحت إلى الانفصال إليه حال بيني وبينه مانع يذودني عنه، ومتي رمت المتاب إليه رددت، وكلما يممت الباب صددت، فكم من مأمول بين أثناء المحاذير مدبج، ومحبوب في طي التقادير مدرج، فمرت على ضالتي المنشودة شهور ________________________________________ (1) الكحكل - بالتحريك - شدة سواد العين، والشنب: بياض الاسنان. ________________________________________