[ 21 ] إلى الخيرات، واجتناب الفواحش والمنكرات، والتنزه عن سائر المحظورات، ومراقبة الله تقدس ذكره في الملا والخلوات، وتشغل القلوب وإتعاب الانفس والابدان في حيازة القربات - قد تفرقت كلمها (1)، وتشعبت مذاهبها، واستهانت بفرائض الله عز وجل، وحنت (2) إلى محارم الله تعالى، فطار بعضها علوا، وانخفض بعضها تقصيرا، وشكوا جميعا إلا القليل في إمام زمانهم وولى أمرهم وحجة ربهم التي اختارها بعلمه كما قال عزوجل: " [ وربك ] يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة (3) " من أمرهم، للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرها، وتقدم من أمير المؤمنين (عليه السلام) خبرها، ونطق في المأثور من خطبه والمروي عنه من كلامه وحديثه بالتحذير من فتنتها، وحمل أهل العلم والرواية عن الائمة من ولده (عليهم السلام) واحدا بعد واحد أخبارها حتى ما منهم أحد إلا وقد قدم القول فيها، وحقق كونها ووصف امتحان الله - تبارك وتعالى اسمه - خلقه بها بما أوجبته قبائح الافعال ومساوي الاعمال، والشح المطاع، والعاجل الفاني المؤثر على الدائم الباقي، والشهوات المتبعة، والحقوق المضيعة التي اكتسبت سخط الله عز وتقدس، فلم يزل الشك والارتياب قادحين في قلوبهم - كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامه لكميل ابن زياد في صفة طالبي العلم وحملته: " أو منقادا لاهل الحق لا بصيرة له، ينقدح الشك في قلبه لاول عارض من شبهة " (4) - حتى أداهم ذلك إلى التيه والحيرة والعمى والضلالة ولم يبق منهم إلا القليل النزر الذين ثبتوا على دين الله وتمسكوا بحبل الله ولم يحيدوا عن صراط الله المستقيم، وتحقق فيهم وصف الفرقة الثابتة على الحق التى لا تزعزعها الرياح ولا يضرها الفتن، ولا يغرها لمع السراب، ولم تدخل في دين الله بالرجال فتخرج منه بهم. ________________________________________ (1) " قد تفرقت " الجملة مفعول ثان لرأينا وما بينهما جملة معترضة. (2) كذا صححناه، وفى النسخ " وخفت " والمعنى استخفت محارم الله تعالى. (3) القصص: 68. (4) في اللغة قدح الشئ في صدري أي أثر. ________________________________________