[ 395 ] وتترك إيوائه إليك، ومضاجعته بقرينة قسيمه، وهو قوله: " وتؤوي إليك من تشاء " أي تضمه إليك وتضاجعه، ثم لا يتعين ذلك عليك، بل لك بعد الارجاء أن تبتغي ممن عزلت ما شئت، وتؤويه إليك، وهذا ظاهر في عدم وجوب القسمة عليه صلى الله عليه واله، حتى روي أن بعد نزول الآية ترك القسمة لجماعة من نسائه، وآوى إليه جماعة منهن معينات، وقال آخرون: بل تجب القسمة عليه كغيره لعموم الادلة الدالة عليها، ولانه لم يزل يقسم بين نسائه حتى كان يطاف به وهو مريض عليهن، ويقول: هذا قسمي فيما أملك، وأنت أعلم بما لا أملك، يعني قلبه صلى الله عليه واله، والمحقق رحمه الله استضعف الاستدلال بالآية على عدم وجوب القسمة، بأنه كما يحتمل أن يكون المشية في الارجاء والايواء لجميع نسائه يحتمل أن يكون متعلقا بالواهبات أنفسهن خاصة، فلا يكون دليلا على التخيير مطلقا، وحينئذ فيكون اختيار قول ثالث وهو وجوب القسمة لمن تزوجهن بالعقد، و عدمها لمن وهبت نفسها، وفي هذا عندي نظر، لان ضمير الجمع المؤنث في قوله: ترجي من تشاء منهن " واللفظ العام في قوله: " ومن ابتغيت " لا يصح عوده للواهبات، لانه لم يتقدم ذكر الهبة إلا لامرأة واحدة، وهي قوله: " وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها " فوجد ضمير الهبة في مواضع من الآية، ثم عقبه بقوله: " ترجي من تشاء منهن " فلا يحسن عوده إلى الواهبات، إذ لم يسبق لهن ذكر على وجه الجمع، بل إلى جميع الازواج المذكورات في هذه الآية، وهي قوله تعالى: " يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت اجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك و بنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي (1) " الآية، ثم عقبها بقوله: " ترجي من تشاء منهن " الآية، وهذا هو ظاهر في عود ضمير النسوة المخير فيهن إلى من سبق من أزواجه جمع، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه واله لم يتزوج بالهبة إلا امرأة واحدة على ما ذكره المحدثون والمفسرون، وهو المناسب لسياق الآية، فكيف يجعل ضمير الجمع عائدا إلى الواهبات، وليس له منهن إلا واحدة، ثم لو تنزلنا وسلمنا جواز عوده إلى الواهبات لما جاز حمله عليه بمجرد الاحتمال، مع وجود اللفظ العام ________________________________________ (1) الاحزاب: 50. ________________________________________