[ 24 ] ينفخ فيها روحه، وكذلك يجمع الاجزاء المتفرقة في البقاع المتبددة في الاصقاع بحكمته الشاملة وقدرته الكاملة، ثم إنه تعالى عاد إلى تقرير ما تقدم من دفع استبعادهم وإبطال إنكارهم وعنادهم فقال: " الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا " ووجهه هو أن الانسان مشتمل على جسم يحس به وحياة سارية فيه وهو الحرارة جارية فيه فإن استبعدتم وجود حرارة وحياة فيه فلا تستبعدوه فإن النار في الشجر الاخضر الذي يقطر منه الماء أعجب وأغرب، وأنتم تحضرون حيث منه توقدون، وإن استبعدتم خلق جسمه فخلق السماوات والارض أكبر من خلق أنفسكم فلا تستبعدوه، فإن الله خلق السماوات والارض، فبان لطف قوله تعالى: " الذي جعل لكم من الشجر الاخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون " وقوله: " أو ليس الذي خلق السموات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم " وقد ذكر النار في الشجر على ذكر الخلق الاكبر، لان استبعادهم كان بالصريح واقعا على الاحياء حيث قالوا: من يحيي العظام ؟ ولم يقولوا: من يجمعها ويؤلفها ؟ والنار في الشجر مناسب الحياة، وقوله: " الخلاق " إشارة إلى أنه في القدرة كامل، وقوله: " العليم " إشارة إلى أنه بعلمه شامل، ثم أكد بيانه بقوله: " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " هذا إظهار فساد تمثيلهم وتشبيههم وضرب مثلهم حيث ضربوا لله مثلا وقالوا: لا يقدر أحد على مثل هذا قياسا للغائب على الشاهد، فقال في الشاهد الخلق يكون بالآلات البدنية والانتقالات المكانية فلا تقع إلا في الازمنة الممتدة والله يخلق بكن فيكون انتهى. وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى: " وأنتم داخرون ": أي صاغرون أشد الصغار، ثم ذكر إن بعثهم يقع بزجرة واحدة فقال: " فإنما هي " إي إنما قصة البعث " زجرة واحدة " أي صيحة واحدة من إسرافيل يعني نفخة البعث، والزجرة: الصرفة عن الشئ بالمخافة، فكأنهم زجروا عن الحال التي هم فيها إلى المحشر " فإذا هم ينظرون " إلى البعث الذي كذبوا به، وقيل: فإذا هم أحياء ينتظرون ما ينزل بهم من العذاب " وقالوا " أي ويقولون معترفين بالعصيان: " يا ويلنا " من العذاب، وهو كلمة يقولها القائل عند الوقوع في الهلكة " هذا يوم الدين " أي يوم الحساب أو يوم الجزاء " هذا يوم ________________________________________