[ 23 ] أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون " إلى غير ذلك فكذا ههنا قال: " من يحيي العظام وهي رميم " على طريق الاستبعاد، فبدأ أولا بإبطال استبعادهم بقوله: " نسي خلقه " أي أنسى أنا خلقناه من تراب ومن نطفة متشابهة الاجزاء، ثم جعلنا لهم من النواصي إلى الاقدام أعضاءا مختلفة الصور والقوام، وما اكتفينا بذلك حتى أودعناهم ما ليس من قبيل هذه الاجرام، وهو النطق والعقل اللذين بهما استحقوا الاكرام، فإن كانوا يقنعون بمجرد الاستبعاد فهلا يستبعدون إعادة النطق والعقل إلى محل كانا فيه ؟ ثم إن استبعادهم كان من جهة ما في المعاد من التفتت والتفرق حيث قالوا: من يحيي العظام وهي رميم ؟ اختاروا العظم للذكر لانه أبعد عن الحياة للعدم الاحساس فيه، ووصفوه بما يقوي جانب الاستبعاد من البلى والتفتت، والله تعالى دفع استبعادهم من جهة ما في المعيد من العلم والقدرة فقال: " ضرب لنا مثلا " أي جعل قدرتنا كقدرتهم " ونسي خلقه " العجيب وبدأه الغريب. ومنهم من ذكر شبهة وإن كان آخرها يعود إلى مجرد الاستبعاد وهي على وجهين: أحدهما أنه بعد العدم لم يبق شئ فكيف يصح على العدم الحكم بالوجود ؟ وأجاب عن هذه الشبهة بقوله تعالى: " الذي أنشأها أول مرة " يعني كما خلق الانسان ولم يكن شيئا مذكورا كذلك يعيده وإن لم يكن شيئا مذكورا. وثانيهما أن من تفرق أجزاؤه في مشارق الارض ومغاربها وصار بعضه في أبدان السباع وبعضه في جدران الرباع كيف يجمع ؟ وأبعد من هذا هو أن إنسانا إذا أكل إنسانا وصار أجزاء المأكول في أجزاء الآكل فإن اعيد فأجزاء المأكول إما أن تعاد إلى بدن الآكل فلا يبقى للمأكول أجزاء يخلق منها أعضاء، وإما أن يعاد إلى بدن المأكول منه فلا يبقى للآكل أجزاء، فقال تعالى في إبطال هذه الشبهة: " وهو بكل خلق عليم " ووجهه أن في الآكل أجزاء أصلية وأجزاء فضلية، وفي المأكول كذلك، فإذا أكل إنسان إنسانا صار الاصلي من أجزاء المأكول فضليا من أجزاء الآكل، والاجزاء الاصلية للآكل هي ما كان له قبل الاكل، والله بكل شئ عليم يعلم الاصلي من الفضلي، فيجمع الاجزاء الاصلية للآكل وينفخ فيها روحه، ويجمع الاجزاء الاصلية للمأكول و ________________________________________