‹ صفحة 39 › فانصرف عنهم وهو منهم منتصف فلما آوى إلى رحله ، تبعه عشرة نفر يظن الناس أنهم خوارج ، فضربوه بأسيافهم وهو على فراشه ، لا يظن أن الذي كان يكون ، فخرج يشتد عريانا فلحقوه في الطريق فقتلوه . فكتب زياد إلى علي عليه السلام ما وقع . وكتب : إني أرى أن تبعث إليهم جارية بن قدامة ، فإنه نافذ البصيرة ، ومطاع العشيرة ، شديد على عدو أمير المؤمنين عليه السلام ، فلما قرأ عليه السلام الكتاب ، دعا جارية فقال : يا ابن قدامة تمنع الأزد عن عاملي وبيت مالي وتشاقني مضر وتنابذني ، وبنا ابتدأها الله بالكرامة ، وعرفها الهدى ، وتدعو إلى المعشر الذين حادوا الله ورسوله وأرادوا إطفاء نور الله سبحانه حتى علت كلمته عليهم وأهلك الكافرين . فروى إبراهيم بإسناده عن كعب بن قعين قال : خرجت مع جارية من الكوفة في خمسين رجلا من بني تميم ، وما كان فيهم يماني غيري ، وكنت شديد التشيع ، فقلت لجارية : إن شئت كنت معك ، وإن شئت ملت إلى قومي . فقال : بل سر معي ، فوالله لوددت أن الطير والبهائم تنصرني عليهم فضلا عن الإنس . فلما دخلنا البصرة ، بدأ بزياد فرحب به وأجلسه إلى جانبه ، وناجاه ساعة وساءله ثم خرج فقام في الأزد فقال : جزاكم الله من حي خيرا ، ثم قرأ عليهم وعلى غيرهم كتاب أمير المؤمنين فإذا فيه : من عبد الله أمير المؤمنين ، إلى من قرئ عليه كتابي هذا من ساكني البصرة من المؤمنين والمسلمين : سلام عليكم ، أما بعد ، فإن الله حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة قبل البينة ، ولا يأخذ المذنب عند أول وهلة ، ولكنه يقبل التوبة ، ويستديم الأناة ، ويرضى بالإنابة ، ليكون أعظم للحجة ، وأبلغ في المعذرة . وقد كان من شقاق جلكم أيها الناس ، ما استحققتم أن تعاقبوا عليه ، فعفوت عن مجرمكم ، ورفعت السيف عن مدبركم وقبلت من مقبلكم ، وأخذت