[ 276 ] خلاف خلقه، فلا شبه له من المخلوقين، وإنما يشبه الشئ، بعديله، فأما مالا عديل له فكيف يشبه بغير مثاله، وهو البدئ الذي لم يكن شئ قبله، والآخر الذي ليس شئ بعده، لا تناله الابصار في مجد جبروته، (1) إذ حجبها بحجب لا تنفذ في ثخن كثافته. ولا تخرق إلى ذي العرش متانة خصائص ستراته، الذي صدرت الامور عن مشيته، و تصاغرت عزة المتجبرين دون جلال عظمته، وخضعت له الرقاب، وعنت له الوجوه من مخافته، وظهرت في بدائع الذي أحدثها آثار حكمته، وصار كل شئ خلق حجة له ومنتسبا إليه، فإن كان خلقا صامتا فحجته بالتدبير ناطقة فيه، فقدر ما خلق فأحكم تقديره، ووضع كل شئ بلطف تدبيره موضعه، ووجهه بجهة فلم يبلغ منه شئ محدود منزلته، (2) ولم يقصر دون الانتهاء إلى مشيته، ولم يستصعب إذ أمر (3) بالمضي إلى إرادته، بلا معاناة للغوب مسه، ولا مكائدة (4) لمخالف له على أمره، فتم خلقه وأذعن لطاعته، ووافى الوقت الذي أخرجه إليه، إجابة لم يعترض دونها ريث المبطئ، ولا أناة المتلكئ، (5) فأقام من الاشياء أودها، ونهي معالم حدودها، ولاءم بقدرته بين متضاداتها، ووصل أسباب قرائنها، وخالف بين ألوانها، وفرقها أجناسا مخلتفات في الاقدار والغرائز (6) والهيئات، بدايا خلائق أحكم صنعها، وفطرها على ما أراد و ابتدعها، (7) انتظم علمه صنوف ذرئها، وأدرك تدبيره حسن تقديرها. أيها السائل اعلم أن من شبه ربنا الجليل بتباين أعضاء خلقه، وبتلاحم أحقاق (8) مفاصلهم المحتجبة بتدبير حكمته (9) أنه لم يعقد غيب ضميره على معرفته ولم ________________________________________ (1) وفى نسخة: من مجد جبروته. والجبروت صيغة مبالغة بمعنى القدرة والسلطة والعظمة. (2) في التوحيد المطبوع: فلم يبلغ منه شئ حدود منزلته. (3) في التوحيد المطبوع: ولم يستصعب أو امره بالمضي إلى إرادته. (4) في بعض النسخ: المكابدة، وفى التوحيد المطبوع: المكابرة. (5) تلكا عليه: اعتل عن الامر: أبطأ وتوقف. والمتلكئ: المتعلل والمبطئ والمتوقف. (6) الغرائز: الطبائع. (7) في نسخة: وفطرها على ما أراد إذ ابتدعها. (8) وفى نسخة: حقاق. (9) قال ابن ميثم: والذى يقال من وجه الحكمة في احتجاب المفاصل: هو أنها لو خلقت ظاهرة عرية عن الاغشية ليبست رطوباتها وقست فيتعذر تصرف الحيوان بها كما هو الان، وأنها كانت معرضة للافات المفسدة لها وغير ذلك من خفى تدبيره ولطيف حكمته. ________________________________________