[ 275 ] فما ظنك أيها السائل بمن هو هكذا ؟ سبحانه وبحمده لم يحدث فيمكن فيه التغيير والانتقال، ولم يتصرف في ذاته بكرور الاحوال، ولم يختلف عليه حقب الليالي والايام، الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله، ولا مقدار احتذا عليه (1) من معبود كان قبله، ولم تحط به الصفات فيكون بإدراكها إياه بالحدود متناهيا، ومازال ليس كمثله شئ عن صفة المخلوقين متعاليا، وانحسرت الابصار عن أن تناله فيكون بالعيان موصوفا وبالذات التي لا يعلمها إلا هو عند خلقه معروفا، وفات لعلوه على الاشياء مواقع رجم المتوهمين، وارتفع عن أن تحوى كنه عظمته فهاهة رويات المتفكرين، فليس له مثل فيكون ما يخلق مشبها به، وما زال عند أهل المعرفة به عن الاشباه والاضداد منزها، كذب العادلون بالله إذ شبهوه بمثل أصنافهم، (2) وحلوه حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزوه بتقدير منتج من خواطر هممهم، (3) وقدروه على الخلق المختلفة القوى بقرائح عقولهم، وكيف يكون من لا يقدر قدره مقدرا في رويات الاوهام وقد ضلت في إدراك كنهه هواجس الاحلام ؟ (4) لانه أجل من أن تحده ألباب البشر بالتفكير، أو تحيط به الملائكة على قربهم من ملكوت عزته بتقدير، تعالى عن أن يكون له كفو فيشبه به، لانه اللطيف الذي إذا أرادت الاوهام أن تقع عليه في عميقات غيوب ملكه، و حاولت الفكر المبرات من خطر الوسواس إدراك علم ذاته، وتولهت القلوب إليه لتحوى منه مكيفا في صفاته، وغمضت مداخل العقول من حيث لا تبلغه الصفات لتنال علم إلهيته ردعت خاسئة وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه، رجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته، (5) ولا يخطر ببال اولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته، لبعده من أن يكون في قوى المحدودين لانه ________________________________________ (1) احتذا عليه أي قاس وطبق عليه، وكان ذلك المثال أو المقدار من معبود قد سبقه بالخلقة، والحاصل أنه لم يقتد بخالق آخر في صنعه وخلقته، إذ لا خالق سواه. (2) في النهج: إذ شبهوك بأصنامهم. (3) في التوحيد المطبوع ونسخة من الكتاب: وخواطرهم. (4) الاحلام جمع الحلم: العقل، ويأتى بمعني الامانى أيضا يقال: أحلام نائم أي أمانى كاذبة. (5) في التوحيد المطبوع: لا ينال بجوب الاعتساف كنه معرفته. ________________________________________