[ 277 ] يشاهد قلبه اليقين بأنه لاند له، وكأنه لم يسمع بتبرئ التابعين من المتبوعين، وهم يقولون: " تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذنسو يكم برب العالمين " فمن ساوى ربنا بشئ فقد عدل به، والعادل به كافر بما نزلت به محكمات آياته، ونطقت به شواهد حجج بيناته، لانه الله الذي لم يتناه في العقول فيكون في مهب فكرها مكيفا، وفي حواصل رويات همم النفوس محدودا مصرفا، (1) المنشئ أصناف الاشياء بلا روية احتاج إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، (2) ولا تجربة أفادها من مر حوادث الدهور، ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الامور، الذي لما شبهه العادلون بالخلق المبعض المحدود في صفاته، ذي الاقطار والنواحي المختلفة في طبقاته، وكان عزوجل الموجود بنفسه لا بأداته، انتفى أن يكون قد روه حق قدره " فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الانداد، وارتفاعا عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد: " وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون " فما ذلك القرآن عليه من صفته فاتبعه ليوصل بينك وبين معرفته، وائتم به، واستضئ بنور هدايته، فإنها نعمة وحكمة أو تيتهما، فخذما اوتيت وكن من الشاكرين، وما دلك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه ولا في سنة الرسول وأئمة الهدى أثره فكل علمه إلى الله عزوجل، فإن ذلك منتهى حق الله عليك. واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام (3) في السدد المضروبة دون الغيوب، فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فقالوا: " آمنا به كل من عند ربنا " فمدح الله عزوجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا، ________________________________________ (1) الحواصل جمع الحوصلة، هي من الطائر بمنزلة المعدة من الانسان: والرويات جمع الروية: النظر والتفكر في الامور، والهمم جمع الهمة: العزم القوى. (2) القريحة: الطبع. وملكة يقتدر بها على الاجادة في نظم الشعر وانشاء الخطب ونحوه، الغريزة: الطبيعة، وأضمر الامر: أخفاه، وأضمر في نفسه شيئا: عزم عليه. (3) اقتحم المنزل: هجمه، الامر: رمى نفسه فيه بشدة ومشقة. (*). ________________________________________