[ 363 ] اصلا، لما عرفت في الوجه الاول: من أن المانع من الحكم الواقعي إنما هو الظن بالخلاف، دون ما يكون مطابقا للواقع، فالخبر الموافق لم يؤثر شيئا، (141) والمخالف صار سببا لانقلاب الحكم الواقعي، فالواجب هو الاخذ بمؤدى احدى الامارتين في الواقع، وهى الامارة المخالفة للواقع، دون ما هو مطابق له. وحيث لم يتميز المخالف من الموافق، يلزم التوقف والرجوع الى مقتضى الاصل، وهو يختلف بحسب المقامات، لان الخبرين إن كانا مثبتين للتكليف، فان أمكن الاختيار يجب، لان مضمون احدهما مجعول في حقه، بمقتضى سببية الخبر المخالف للواقع، وإلا فالتخيير. وإن لم يكونا مثبتين، بل كان احدهما مثبتا والآخر نافيا، فمقتضى الاصل البراءة، لاحتمال كون النافي مخالفا للواقع وموجبا لانقلاب الواقع إلى مؤداه. هذا في صورة العلم بمطابقة احد الخبرين المتعارضين للواقع. واما في صورة الجهل، فالواقع لا يخلو إما ان يكون كذلك، فالحكم ما عرفت. وإما ان يكون كلاهما مخالفا للواقع، فاللازم سقوط كليهما عن الاثر. مثلا لو كان حكم الواقعة الاباحة، فدل احد الخبرين على الوجوب، والآخر على الحرمة، فما دل على الوجوب يقتضى احداث مصلحة تامة في فعل ذلك الشئ، وما دل على الحرمة يقتضى ذلك في تركه. وحيث لا يمكن الجمع بين ايجاب شئ وتحريمه يلغى السببان. هذا بناءا على السببية بالمعنى الاول. نعم على الوجه الثاني، فالامر كما (141) لا يبعد أن يقال إن الموافق على هذا القول ايضا يؤثر في تنجيز الواقع وعدم انقلابه، ففي مورد التعارض يطارد المخالف حيث أنه يقتضى الانقلاب، وهو يقتضي عدمه، فيسقط كلاهما عن الاثر، فيبقى الواقع سليما، بحيث لو كان معلوما بالاجمال لأثر العلم أثره: من الاحتياط مع الامكان، والتخيير مع عدمه، وإن كان أحد الخبرين نافيا للتكليف. وكذلك لو لم نقل بتأثير الموافق، لكن قلنا بعدم تأثير المخالف، مع وجود الموافق، ولو من جهة تقييد ادلته - كما ادعى - بانصراف ونحوه. ________________________________________