وقد يكون مفيداً هنا طرح تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال الحوار، فهذه التجربة دون شك غنية كماً ونوعاً ولعّل نجاح الجمهورية الإسلامية في دفع هيئة الأمم المتحدة لاقرار مشروعها بتسمية عام 2001 م عاماً لحوار الحضارات، هو تعبير عن نضوج تجربة الحوار فيها، وبناءً على ذلك، تم تأسيس مركز علمى تخصصى في طهران يأخذ على عاتقه المساهمة في تنفيذ مشروع الحوار بين الحضارات. وسبق للجمهورية الإسلامية أن طرحت عدة مشاريع رائدة أخرى، تحولت بمرور الزمن إلى مؤسسات وأجهزة فاعلة، وفي مقدمتها مشروع الحوار بين المذاهب الإسلامية، الذي نشط منذ أوائل الثمانينات، ثم تبلور في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وكذلك المؤتمر العالمى السنوي للفكر الإسلامى، ومشروع الحوار بين الأديان الذي يمتلك أمانة عامة دائمة تعقد ملتقيات ومؤتمرات دورية على مدار السنة. أمّا في الشأن الداخلي، فإنّ الحوار الدائم والمناظرات بين الجماعات السياسية الاتجاهات الفكرية والثقافية عبر وسائل الاعلام والصحافة أو في التجمعات والندوات، يكاد يكون المنشط الأساسي الذي يمّيز الساحة الإيرانية. ولعل آلية الحوار والنقد التي اقرتها الثورة الإسلامية منذ اليوم الأوّل، ساهمت كثيراً في كشف السلبيات، وفي النظرة إلى المشاكل والمعوقات نظرة موضوعية وواقعية. ولا زال الحوار والنقد البناء يعطيان لمناخ الثورة مرونة عالية في التعامل مع قضاياها; لتأتى المعالجات والحلول في إطار دراسات واعية تستوعب الرأي والرأي الآخر. التعايش في الرؤية الإسلامية في أجواء الاختلاف يكون التعايش على أساس التعددية التي يرتضيها الإسلام، هو الحل الكفيل بتجنب مشاكل الصراع والتضارب في الرؤى والأفكار والمعتقدات بشتّى ألوانها ولا يعنى التعايش القبول بنسق واحد من التفكيرالسلوك، وصهر الجميع في بوتقته، كما لا يعنى التنازل عن الحق أو توزيعه على المتعايشين بنسبة متساوية، وفقاً لمفهوم التعددية «بلوراليزم» الذي يفهمه الغرب، بل يعنى أن يحتفظ كل طرف بوضعه الخاص، ويمارس نشاطه الديني أو المذهبي أو الفكري أو السياسي، في إطار الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الإسلام بمضامينها المتوازنة والمرشدة، والتي لا تسمح لأى طرف بسلب حقوق الآخرين أو الإخلال في أمن المجتمع، مهما بلغت قوة هذه الطرف عدّة وعدداً.