والصورة المثلى للتعايش هي صورة دولة المدينة التي كان اليهودي والنصراني يعيشان فيها بأمان إلى جانب المسلم وفي كنف الدولة الإسلامية، وكان الحبشي والرومي والفارسي يتمتعون فيها بكل حقوق المواطنة كالعربي تماماً، وهكذا تعايش المهاجرون إلى جانب الأنصار، تعايش الأوس والخزرج معاً، بل كان يعيش فيها أتباع التيارات الفكرية والسياسية التي تشكل لوناً من المعارضة، وفي المقدمة تيار المنافقين والمشركين: (قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولى دين)[58] لقد استندت الرؤية الإسلامية في مجال التعايش مع الآخرين إلى اساسين رئيسيين، هما: 1. المصلحة الإسلامية العليا على ضوء الواقع القائم; 2. الصلات والرحمة الإنسانية والعلاقات الأخلاقية. ويستقى التشريع الإسلامي في كل مجالاته من هذين المعنيين فيعتبران من أهم سمات التشريع الإسلامي في شتّى جوانبه. أمّا العناصر الرئيسية التي تحدد نوعية العلاقة بين المسلمين وغيرهم كآلية للتعايش، فأهمها: 1. الأمة... النموذج: يصف القرآن الكريم الأمة الإسلامية بالوسطية، يريد به النموذج الاسمى، والأمة الشاهدة التي كانت خير أمة اخرجت للناس، وهذا العنصر يدفع الأمة باتجاه السمو والتكامل في كل المجالات، والاستفادة الأكمل من تجارب الآخرين، ويعني ذلك الانفتاح على مجالات الحياة وحمل رسالة إنسانية حضارية كبرى. 2. المبدئية: وتقضي بنوعين من التعايش: الأوّل بين المؤمنين، وهو تعايش اخوى. ويعنى وحدة الأفراد في مجمل الشؤون والنوع الثاني مع الآخرين، ويحدد طبيعته مقدار قرب أو بعد هؤلاء عن المبدأ الإسلامي، الذي يحدد مضمون التعايش معهم، كأن يكون ودِّياً أو حسناً أو يشوبه القلق. 3. نفي السبيل على المؤمنين: ويعنى أن أى تصرف أو وضع معاهدة تؤدي إلى تفوق الكافرين على المسلمين يعد ملغياً من أصله (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)[59] وهذه القاعدة تعد من القواعد الثانوية التي تستطيع الحكم على الأحكام