الحديث عن أطراف الحوار قسماً من المؤهلات السلوكية التي ينبغي أن يكون عليها أسلوب الحوار كاللين والمرونة وضبط النفس والتوازن في المشاعر وغيرها، إضافة إلى الانفتاح السلوكي المدروس على الطرف الآخر، واحترام مشاعره ومعتقداته، ومحاورته بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتي هى أحسن، فهذه الأساليب كافية لتترك في نفسه انطباعاً جيداً عن شخصية المحاور وطبيعة أهدافه ومعتقداته. أمّا الأساليب السلبية، كالتحريض وآثارة الفوضى والشغب، والتحامل والتشنج والتعصب الأعمى والتكبر، واستخدام أسلوب المغالطة، والانكماش والتهرب، والاستهزاء والسخرية، فهي مرفوضة في الحوار المنشود، وقد نهى الإسلام عن ذلك: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتى هى أحسن)[52]، فكيف بالحوار بين المسلمين أنفسهم! فقيمة الحوار في الرؤية الإسلامية لا تعرف المهاترات والسباب; لتسببها في انعكاسات سلبية حادة. يقول تعالى (و لا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم).[53] وتدخل هنا قيم سلبية أيضاً، كالاتهام والافتراء والتفسيق والتهديد بالإخراج عن الدين والرمي بالارتداد، دون تمحيص وبحث عقيدي وفقهي واف، فللارتداد والتكفير معايير وقواعد دقيقة جداً بحثها الفقه الإسلامي بعناية، بالصورة التي لا يكون فيها هضم لحق أحد وسلب لحقوقه الاجتماعية الإنسانية. فالتسرع في إطلاق الأحكام خلال الحوار، لتحقيق أجواء غير موضوعية، تتقاطع تماماً مع الرؤية الإسلامية، فضلا عن أنّ هذه الأساليب ـ لا سيما التهديد بالعدوان وسلب الحقوق الاجتماعية والحكم المتسرِّع وغير المدروس بالردة والكفر ـ تؤدى إلى وضع عكسي، ونجد أنّها تسببت في بروز ردود فعل عنيفة ضد الدين، بالصورة التي حدثت حيال أساليب الكنيسة في التعامل مع الآخرين خلال عصور اوربا الوسطى، ثم أدت إلى ظهور ألوان فاقعة من الإلحاد والانحراف والعلمانية والسقوط والتطرف. والإسلام يأمر بعدم مواصلة الحوار عند تجاوز الطرف الآخر حدود الحوار وآدابه كممارسة الاضطهاد والتهديد والافتراء والتهريج:(أولئك الذين يعلم الله ما فى قلوبهم فأعرض عنهم)[54]، أو إصراره على عدم قبول الدليل والحجة والبرهان، رغم وضوحها