الهدف يعطي للتجرد والنزاهة والموضوعية في الحوار معنىً حقيقاً، بالصورة التي يطرحها القرآن الكريم: (وأنّا أو إياكم لعلى هدىً أو فى ضلال مبين)[37]. أمّا الحوار الذي لا يحمل هدفاً معيناً ولا يترك أثراً علمياً أو فكرياً، فهو عديم القيمة والفائدة. وتنطبق هذه القاعدة أيضاً على الحوارات التي تدور حول أمور افتراضية وخيالية ولا علاقة لها بالواقع[38]. وتتنوع مناهج الحوار ـ كما سيأتى ـ بتنوع أهدافه، فهناك الحوار النقدي، الذي يتلخص في تقويم كل طرف لممارسات وأفكار الطرف الآخر بشكل نقد موجه. وللنقد من جانبه آداب وشروط، تبقيه في حدوده الشرعية والعقلانية، وتحافظ فيه على روح الانعتاق والتقويم الصحيح والمحاسبة الهادفة والنقد البنّاء. وهناك أيضاً المدارسة التي هي لون من ألوان الحوار، وهدفها يدور حول الموضوع فقط، ليست لها أهداف خاصة أو ذاتية، وبالتالي الوصول إلى نتائج متفق عليها، ولا توجد لدى أطرافها أحكام نهائية مسبقة. أمّا المحاجة فهو حوار الإقناع وإقامة الدليل، وهدفه تفنيد وجهات نظر الطرف الآخر ومحاولة استيعابه وجذبه وهدايته، أو إيصال رسالة إلى الآخرين وتنبيههم وتوعيتهم. 4. الإدارة والرقابة والتحكيم: هذا العنصر الفنى ضروري جداً لتحسين أداء الحوار وضمان تحقيق أهدافه وتنفيذ نتائجه. فالإدارة لا تدخل طرفاً في الحوار، بل تتلخص مهمتها في تنظيم الحوار وضبطه وتوفير الفرص المتكافئة للمتحاورين ومراقبة أساليبهم ومناهجهم، ثم التحكيم بينهم في حالات معينة. وتفرض هذه المهام شروطاً ومواصفات في عنصر الإدارة والرقابة والتحكيم أهمها: المقبولية لدى أطراف الحوار كافة، والحياد والموضوعية والتجرد، وحساب النتائج بدقة، وعدم تغليب طرف على حساب آخر، إلاّ في حدود الحقيقة، وحتى لو كان لهذا الجهاز أو بعض أفراده خلفيات فكرية وسلوكية ورؤى تتفق أو تختلف مع أحد الأطراف، ولكن ينبغي أن لايكون لها مدخلية في الإدارة والتحكيم. 5. مكان الحوار: عدم وجود أي نوع من المؤثرات التي تنعكس سلباً على أحد الأطراف أو مجموعهم أو على المراقبين، هو ما ينبغى أن يكون عليه مكان الحوار. وقد